أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

لقاء الشعب: لماذا النعمة هذا العام

بقلم ديدي ولد الوافي
بات من شبه المؤكد أن الرئيس محمد ولد عبد العزيز سينظم مهرجانه السنوي لقاء الشعب في نسخته لهذا العام في مدينة النعمة، وبغض النظر عن قيمة هذا اللقاء والأهداف المرجوة منه أصلا، إلا أن تنظيمه في حاضرة الحوض الشرقي هذه المرة يطرح أكثر من استفهام 
ينبغي التنبيه في البداية إلى أن الناس هناك منقسمون ما بين متحمس لهذا اللقاء الرئاسي بالشعب وما بين معارض له لدرجة أن البعض باشر بالفعل حملات لجمع التوقيعات المناهضة له
وهي سابقة في البلاد تحمل أكثر من دلالة، في حين أن هناك الغالبية الصامتة التي لا تكترث عادة بمثل هذه المناسبات لأسباب عديدة يتصدرها الانشغال بظروف الحياة الصعبة التي باتت تصرفها عن التركيز في غير الكد لتحصيل قوتها اليومي. ويبقي السؤال الأهم الذي يطرح نفسه اليوم هو: لماذا هذه اللفتة المتأخرة؟ – علي اعتبار أن تخصيص أية مدينة بهذا اللقاء هو لفتة- من طرف الرئيس بعد أن أوشكت مأموريته علي الانتهاء؟ أو بعبارة أخري لماذا لم يتذكر الرئيس تلك الولاية وعاصمتها النعمة إلا في الشهور الأخيرة من مأموريته ؟
قبل الخوض في الأجوبة المحتملة لهذا السؤال لابد من التذكير بالثقل الديموغرافي لولاية الحوض الشرقي من بين ولايات الوطن الأخرى حيث أظهر التعداد البيومتري الجاري الآن وكذا الإحصاء العام للسكان والمساكن الذي نشرت نتائجه مؤخرا أن الحوض الشرقي يأتي في المرتبة الثانية من حيث عدد السكان بعد العاصمة نواكشوط بساكنة تقارب نصف المليون وبفارق كبير بينه وأقرب الولايات التي تليه من حيث الكثافة البشرية. وإذا كان الثقل البشري ميزة لتلك الولاية, فإن الموقع الاستراتيجي والحساسية الأمنية يبقيان خاصيتين تميزانها علي الأقل في المرحلة الراهنة حيث الحرب علي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وكذا الجهود الدولية لتحرير جمهورية مالي بعد التقسيم الذي عرفته في السنة الماضية عقب احتلال القاعدة لشمالها, وقد كان الحوض الشرقي و مازال هو واجهة موريتانيا في كل تلك الأحداث إذ إنه المتضرر الأول من التبعات والنتائج السلبية لتلك الأزمة, فقد استقبلت الولاية السنة الماضية أكثر من مائة ألف لاجئ مالي ومازال منهم حتى اليوم حدود الستين ألف كما يتواجد علي حدود الولاية الشرقية والشمالية الشرقية عشرات آلاف الجنود الأمميين في إطار قوات حفظ السلام في شمال مالي .. غير أن التخلف والإهمال والغبن في مجال توزيع الثروة الوطنية تبقي هي السمات الأبرز لمنطقة الحوض الشرقي , فخلال مأمورية الرئيس التي أوشكت علي الانتهاء لم تستفد الولاية ولا عاصمتها من أي مشروع ذا قيمة باستثناء بضع كيلومترات من الطرق في النعمة أنصاف معبدة سببت من الأضرار والخسائر ما لم تجلب من المصالح والمنافع بفعل الارتجالية وعدم الدراسة التي صاحبت عملية التنفيذ, باستثناء ذلك مازالت كل المشاريع الكبرى والمهمة حبرا علي ورق . في جو التخلف هذا لمنطقة مأهولة بشريا, مهددة أمنيا, مهمشة سياسيا وإداريا, قصية جغرافيا, يقرر الرئيس تنظيم تظاهرته السنوية تلك في حاضرة الحوض الشرقي مدينة النعمة, فما هي الدوافع في هذا التوقيت بالذات ؟ وما هي الآمال المعلقة من طرف السكان علي هذا اللقاء ؟ وكيف لهذا اللقاء أن يسهم في خروج الولاية من واقعها المُزري؟ تحل النسخة الرابعة من لقاء الشعب هذا العام ونحن علي أعتاب انتخابات نيابية وبلدية – إن قدر لها أن تتم أصلا – طال انتظارها وهي إن حصلت ستكون الأصعب في تاريخ البلد نظرا لعوامل ومتغيرات جديدة, فعلاوة علي الوعي المتزايد لدي الناس وهو ما ينعكس عادة علي اختياراتهم الانتخابية هناك مثلا عدم الترحال السياسي الذي أقره الحوار الأخير والذي بدون شك سيجعل مهمة فوز الحزب الحاكم – عكس ما جرت به العادة – مهمة صعبة, كذلك فالبلاد لا تفصلها عن الاستحقاقات الرئاسية إلا أقل من سنة من الآن , وبالتالي فمن الطبيعي أن يطلق الرئيس حملته قبل الأوان من منطقة تعود أسلافه علي أن تكون منطلق حملاتهم الانتخابية لسهولة كسب أصوات ناخبيها في رأيهم من جهة ولحجمها الانتخابي المؤثر من جهة أخري , ولا يستبعد أن يكون الرئيس هذه المرة يحاول باكرا اختبار حجم التأييد الذي ما زال يحظى به هناك قبل فوات الأوان خصوصا أنه لم يعد سرا أن هناك استياءً كبيرا في الأوساط الشعبية وعلي مستوي النخبة من الإهمال والتهميش الحاصل في كافة مناحي الحياة في الولاية وهو ما تجسد في حملة جمع التوقيعات المناهضة لزيارة الرئيس التي تعرفها هذه الأيام مدينة النعمة. أما في الشق الأمني فإنه من الواضح أن الرئيس يريد أن يبعث برسائل طمأنة إلي من يهمهم الأمر في داخل الولاية وفي الخارج مفاد تلك الرسائل أن المنطقة أصبحت آمنة فالنعمة 2013 ليست مثلا النعمة 2010, فها هو الرئيس يحضر المهرجانات الشعبية العامة ليلا ودون خوف وهو ما يبث روح الشعور بالأمن لدي العامة بعد سنوات من الرعب والترقب الدائم لما هو أسوأ إثر العمليات الإرهابية الجريئة التي نفذتها القاعدة في عقر ديارنا أكثر من مرة , وكأنه يريد أن يقول: ما كان لهذا الأمن أن يتحقق لولا الجهود الكبيرة التي بذلتاها في سبيل مكافحة الإرهاب وها هي تلك الجهود تؤتي أكلها, وبالتالي هو إنجاز بالنسبة للرئيس ينبغي استغلا له داخليا في الدعاية له شخصيا ولمرشحي الحزب الحاكم, أما للخارج فالدعاية الأمنية تهدف من بين أمور أخري إلي أن يظهر البلد كدولة آمنة مستقرة رغم الاضطرابات التي تعرفها بلدان المنطقة وهي مسألة غاية في الأهمية لتلميع صورة الرئيس لدي الشركاء الدوليين وهو ما يعطيه حصانة خاصة أنه متهم من طرف خصومه بتهم خطيرة ذات أبعاد دولية معقدة وبالتالي لابد له من السعي لإقناع الغربيين بأنه الرجل الأقوى في المنطقة والذي لابد يل لهم عنه وذلك تفاديا للملاحقة أو حتى التفكير في فتح الملفات السود. في خضم تلك الأجواء تبقي أحلام المواطن العادي معلقة علي زيارة الرئيس الذي خيب آمال الكثيرين خصوصا أولئك الذين منحوه أصواتهم علي أمل تخليصهم من الواقع الأليم الذي يعيشوه في كل مناحي الحياة, فإذا الحالة تسوء بعد أربع سنوات من حكمه , بالنسبة لهؤلاء لم تعد الوعود تجدي نفعا فلا بد من لحظة حساب ولابد فورا من عمل يغير الواقع علي الأرض ويعيد لمن صوتوا له ثقتهم التي باتت مهزوزة خصوصا أنه كرر في خطاب تنصيبه أكثر من مرة عبارة لن أخيب آمالهم , لن أخيب آمالهم, ومن غير المستبعد هنا أن يكون رد الرئيس علي هؤلاء المتذمرين هو إعلان انطلاق الأشغال في بحيرة أظهر ووضع الحجر الأساس لوحدة لإنتاج الألبان ومباشرة العمل في طريق النعمة – باسكنو، كلها إن تحققت ستكون مشاريع ملموسة وليست وعودا قد تكون كافية للجم الأصوات الساخطة علي التخلف والتهميش وبالتالي يظهر الرئيس وكأنه قد أوفي بوعوده التي قطع علي نفسه في الحملة الماضية ليصب كل ذلك في خدمة الحملات اللاحقة. وحتى يكون لهذا اللقاء دور في تغيير الواقع الأليم للحوض الشرقي, علي الرئيس أن يستغل هذه المناسبة ويعلن عن تنظيم أيام تشاوريه خاصة بتنمية المنطقة يتم فيها التشاور والتعاطي بين مختلف الفاعلين من خبراء في التنمية وفاعلين محليين والمجتمع المدني والأهلي بغية ترتيب الأولويات والمواءمة ما بين الطموحات والموارد المتاحة , وهنا ينبغي التركيز علي أن تكون البداية صحيحة , فأية مشاريع تنموية في الحوض الشرقي لا تأخذ في عين الاعتبار التركيز علي الثروة الحيوانية هي مشاريع فاشلة, ذلك أن هذه الثروة هي الرافعة الحقيقية للتنمية الشاملة في الولاية, وفي هذا الإطار ينبغي التنويه بمشروع بحيرة الظهر الذي ظل حلم الجميع منذ استقلال الدولة الحديثة وقد لا يعلم الكثيرين أن تلك البحيرة قادرة علي سد حاجيات موريتانيا لأكثر من ثلاثة قرون من الزمن في ظرفية باتت فيها مصادر المياه عنوان الحروب القادمة بين الدول، وما مشاريع البني التحية الأخرى من طرق ومصانع ألبان والتي نسمع عنها من حين لآخر بأقل أهمية من سابقتها غير أن التباطؤ الذي يعرفه إنجاز بعضها والتلكؤ الحاصل في انطلاقة البعض الآخر منها يجعلنا قلقين دائما علي مستقبل الولاية التنموي ويزيد من شكوكنا وتحفظنا في قدرة الحكومة علي تغيير الواقع المتردي هناك.

ليست هناك تعليقات: