أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

جكنّي الموشكةُ على الانتفاضة

بقلم: مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان
في هذه الأيام تجلب السلطة بخيلها ورجلها وخزائن أموالها على مقاطعة جكني التي يوشك حزبها فيها أن يستف ترب الأرض في الشوط الثاني من انتخابات الجنرالات.
الجديد المعلن في الأمر هو تخصيص مبلغ أربعين مليون أوقية (الله أعلم بمصادرها) لإنعاش موسم شراء الذمم؛ الملقب بـ"الحملة الانتخابية"، كما أعلن وزير النقل الذي يقود حلف الجنرال في المقاطعة حالة الطوارئ، نافضاً يده من حملة اترارزة التي كان يديرها وملتحقا على عجل بالمقاطعة.
قبل ذلك أمرت السلطة مجموعة من الوزراء والموظفين السامين المنحدرين من مقاطعة تمبدقة المجاورة - منهم وزير الصحة الشتائمي ومفوض الأمن الغذائي السابق – بالمُكث في جكني بين الشوطين في محاولة لتغيير المعادلة السياسية التي فرضها الشعب على حزب السلطة، لكن المأمورين اعتذروا بعد اتصالات بالميدان بدعوى "استشعار الحرج" وبأنهم غرباء في المجتمع لا معرفة لهم بالساكنة! بعبارة أوضح: حاولت السلطة أن تشعل القبلية بين الناس حتى لا تخسر مقاعدها الانتخابية، لكن مسعاها الخطير خسر.
أما ابن المقاطعة وزير النقل فهو "الشاعر" الأكبر بالحرج البالغ؛ لسببين؛ أولهما: أنه صاحب الرأي الأول في طبيعة اختيارات الحزب الترشيحية التي قدمت أشخاصا بعضهم غير مقنع للناس وأسهمت في تردي حزبه، وثانيهما: أن مستقبله كوزير في الدولة أو فاعل سياسي في المقاطعة مرهون بنتيجة هذا التنافس؛ فهو في الأولى يفقد صفته الاستشارية السياسية ومرجعيته التوجيهية لدوائر السلطة في شؤون المقاطعة، وهو في الثانية يفقد جزءا كبيرا من وزنه المجتمعي وهيمنته المحلية التي نسجها منذ سنتين تقريبا.
لكنّ المهم كثيرا ليس ما سيخسره شخص وزير النقل وما سيربحه، المهم ما ستربحه المقاطعة ومجتمعها على مستوى الوعي وفاعلية الهيئات المنتخبة محليا ووطنيا إذا خسر حزب الدولة سيطرته السياسية عليها وتولتها الوجوه المعارضة المتصدرة الآن نيابيا وبلديا.
إن الحزب الحاكم يقف اليوم في جكني أمام حلف سياسي ومجتمعي قوي اللافتُ أن مصدر قوته ليس المال ولا المناصب، بل الثقة والقبول المجتمعي، (هذا شيء يعرفه "الميكانيكيون"، على رأي الوزير السابق الشيخ ولد حرمة) ويملك هذا الحلف عقولا قادرة على تدبير أحسن وإنتاج أفكار أكثر فاعلية وتأثيرا، أما حلف الجنرال فاختلط فيه أهل الثقة والقبول – وهم قلّة - بغيرهم من المتروكين ومجهولي الحال، وهو واقع مرير يحاول هذا الحلف تحييد أثره السيء بالإنفاق الشديد للمال والوعود المتكررة، وبالتخطيط لاحتجاز بطاقات المجموعات والقرى ذات التوجه المعروف أو المشكوك في ولائها، لكنها أساليب جرّت عليه زيادة في السخط ونقصانا في الثقة!
وحتى لا يُطنّ بي التدليس والتوهيم.. أنا لا أدعي أن الصراع في مقاطعة جكني الآن صراع ديمقراطي مكتمل الرقيّ والنقاء التنافسي، لكني أزعم أنه في جانب كبير منه يمثل نضالا سياسيا محترما ورائعا ضد الرزمة المفاهيمية التسلطية الإلحاقية التي أدرجتها السلطُ العسكرية المتعاقبة في المسلمات السياسية للشعب عموما ولمواطني المناطق الشرقية خصوصا.
إن مفهوم "الدولة (السلطة) لا تعارض" - الذي هو أبو هذه المفاهيم – فقد بريقه في جكني بعد الجولة الأولى من هذه الانتخابات، وهو الآن يتصدع ويتشقق في وجه الشوط الثاني تماما كما تتصدع مدارج مطار نواكشوط الجديد - الذي تشرف عليه وزارة النقل - تحت لفح الشمس وصفير الرياح.
ولعل حسنة هذه الانتخابات أن استغلال المناصب الرسمية فيها بالطريقة الرعناء التي حدثت أسقط هيبة الوزراء وتسلطهم المعنوي باسم الدولة على الناس، خصوصا الوزراء الذين تقلّ مصداقيتهم في وعيدهم و وعودهم.
هذا هو المكسب الكبير للناس وللمقاطعة التي تعيش تحت تهميش رسمي، وهناك مكاسب أخرى أهمها تصعيد وجوه جديدة من أحزاب سياسية تقدم مشروعا مجتمعيا شبابيا لا يرتبط بالأشخاص ولا بالأطر التقليدية كمشروع حزب "تواصل" الذي بدأ يأخد مكانه بين الكتل السياسية ومكانته في نسيج المجتمع، وكسر مخطط الجنرال للسيطرة المخابراتية على الحالة السياسية بالمقاطعة التي كشفت عنها ترشيحاته.

إن قراءة الواقع وقرائنه تقول إن حزب السلطة مهزوم في مقاطعة جكني، لكن التسريبات تقول إن هذا الحزب عازم على منع المعارضة من تمثيل المقاطعة بأي ثمن، وإنه يعدّ خطة خطيرة للتزوير بمساعدة الإدارة الرسمية في المقاطعة وفي الولاية، وهو إن فعلها يوشك أن يقدح زنداً قد لا يقوى على إطفاء جحيمه.