أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

نقد الخطاب الإسلامي


بقلم المختار ولد آمين
ليس "الخطاب الإسلامي" عندي مرادفا للإسلام وإن استند إليه أو ابتغاه وهدف له ، فالإسلام هو دين الله وشرعه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، متمثلا في نصوص الكتاب العزيز والسنة النبوية ، ثم ما أخذ منهما مما وضحت دلالته ، وقد يدخل فيه – تبعا وتجوزا - ما استنبط منهما مما تفاوتت في فهمه عقول فقهاء الشريعة وأذهانهم .

أما "الخطاب الإسلامي" فأعني به طريقة عرض الإسلام وشرحه وكيفية إيصال حقائقه – منصوصة أو مستنبطة – لعامة الناس .
ومن هنا عُدمت الغضاضة في نقد الخطاب الإسلامي ، دون أن يعني ذلك بحال نقد الإسلام نفسه أو إخضاعه للقبول والرد ، معاذ الله.
على أن "النقد" في أصل معناه لا يعني بيان السلبيات وحدها ، كما يتبادر لبعض الأذهان – وإن كان هو ما سأتناول هنا لكثرة الإيجابيات وكونِها الأصلَ - بل يعني وزن الإيجابيات والسلبيات ، ولا حجر في تناول أي عمل بشري بهذا المعني ، لكن شرع الله أعلى وأجل !
ومن هنا جاءت هذه الملاحظات على بعض "الأساليب" في الخطاب الإسلامي بمدارسه الفكرية المتعددة ، خاصة العاملة في وطننا المحلي (موريتانيا):
·       فمما أنتقده أن يقال مثلا : ( إننا نحن المسلمين نعتقد أن الله سبحانه لم يلد ولم يولد) أو أن يقال : (إننا معشر أهل السنة نعتقد براءة عائشة رضي الله عنها من الفاحشة) وبالمقابل فمن المنتقد أيضا أن يطلَق مثلا أن الفاتحة واجبة على المأموم أو غير واجبة عليه ، دون نسبة لمذهب أو إشارة لخلاف .
ذلك لأن التعبيرين الأولين يحصران الحقيقتين القطعيتين في إطار طائفي أو فئوي أو مذهبي يتيح لغير المنضوي تحت ذلك الانتماء – ولو إيحاء من بُعد – الحقَّ في المخالفة ، أو أن تينك القضيتين قابلتان للنقاش ! وفي هذا ما فيه من تساهل وتفريط .
وفي المقابل فإطلاق المعلومة – في المثال الثالث – خالية من نسبتها لأي مذهب أو إشارة لخلاف معتبر فيه مصادرة لرأي علمي له أدلة شرعية يستند إليها ، وهو إفراط وغلو.
·       وكثيرا ما تكون قضايا محل اتفاق إلا أنها تصاغ بطريقة ضيقة إقصائية ، قد يُنتبه لها وقد لا ينتبه ، ومن أمثلتها إطلاق لقب "إمام أهل السنة والجماعة" على الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه ، مع أنه بحق أحد أئمة أهل السنة والجماعة بلا نزاع ، إلا أن في تلك الصيغة تضييقا لمفهوم "أهل السنة والجماعة" في بعضهم حسبُ لا غير .
·       ومن هذا الباب أن تنتقيَ بعض المدارس الفكرية شخصية أو شخصيات على مدى تاريخ الإسلام الممتد عبر مئات السنين المتطاولة فلا تذكر إلا آراءه وفتاواه ، وهو إمام جليل وعلم فذ ، لكنهم بهذا قد حجروا واسعا ، وضيقوا مهيعا فسيحا .
·       ومن هذا الباب الدوران مع مصطلحات بعينها اشتهرت عند علماء معينين ، أو في بلاد معينة ، فيحرص بعض الإسلاميين على التخندق وراءها والالتزام بها ، وهي ليست كتابا منزلا ، ولا سنة ملزمة ، بل ربما تكون على بعضها مؤاخذات في نظر آخرين ، وُوفقوا فيها أو خولفوا .
وقد رأيت في أحد المواقع فتوى – أظن مضمونها من المتفق عليه – ملأها كاتبها بصياغات وأسماء ومصطلحات تجعل ناظرها يتساءل : هل الأهم عند كاتبها إبداءُ مضمونها أو ترويج أسلوبها ومصطلحاتها والأشخاصِ المذكورين فيها ؛ لأن لقائل أن يقول إنها بدون تلك العلائق ربما كانت عند عامة الناس أحظى وأقوى .
·       ومما ينتقد أن يُلتزم لمجتهد معين بأخذ جميع اجتهاداته ، لا لشيء إلا لأنها منه وأنه منشئها ، ورحم الله من قال : كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم .
·       ومن الغفلة أن يرمي الخطيب ونحوه للتحذير من نحلة ضارة أو عقيدة منحرفة فيكون بوقا إعلامية مجانية لأصحابها فيروج لها ويدعي لها وجودا فوق حجمها ، وربما كان هذا أهم ما يريد ناشروها ومروجوها .
·       ومن المنتقد أن تستخدم المنابر العامة – التي هي ملك للمجتمع بالتساوي – في قضية شخصية أو فئوية أو جهوية أو حزبية ، سواء في اتجاه تأييد سلطة أو في معارضتها مثلا ، وعلى رأس تلك المنابر والمؤسسات المجتمعية المساجدُ ووسائل الإعلام الرسمية وأجهزة الدولة ، والأخطر من ذلك أن يستجر الدين سلاحا في معركة أهلية بين فرقاء المجتمع الواحد ، أما مطلق الاستخدام السياسي غير الفئوي أو المختلَف عليه ، فلا يقول بإبعاده عن المساجد إلا من لا يريد للدين أن يتدخل في شؤون الحياة .
·       ومن المنتقد أن يفتي فقهاء البادية – مهما كان استيعابهم للحكم الشرعي مجردا عن الواقع العملي - في قضايا الحضر الشديدة التعقيد التي لم يتصوروها ولم يعرفوا لها نظيرا فيقيسون عليه ، والواجب على من لا يدري أن يقول : لا أدري .
ومن أطرف الأمثلة في هذا الباب أنه اشتهر في الآونة الأخيرة أخفاف جلدية مَخيطة (تتوفر على شروط العلامة خليل) وبدأ بعض الناس يمسحون عليها في الشتاء ، فحدثني أحد الفضلاء أنه سأل أحد هؤلاء الفقهاء عن المسح عليها فمنعه ، قال : فسألته عن اختلافها عما ذكره خليل ، فقال : (قوله : خُرز ، ثم هذا السحّأب الذي يغلقها) !
·       ومن الخطأ في "الخطاب الإسلامي" الخلط بين الدليل وبين دلالته وما يفهم منه ؛ فمن الناس مثلا من يحرم الغناء مستدلا بقوله تعالى (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) وقد يناقشه من يوافقه الرأي في تحريم الغناء بأن الآية لا تدل – بالضرورة - على المدعى ، فيتهمه حينئذ برد القرآن ، وهو إنما رد دلالة القرآن على ما فهمه فلان !
هذه نماذج أردت بها التمثيل ولفت النظر لما أزعمه خللا في خطاب الدعوة والمتدينين عموما ، وأغلبها يحتاج بسطا وتفصيلا ، واستدلالا وتأصيلا يضيق عنه المقام ، والمتتبع لواقع الخطاب الإسلامي يحس بأني من واقعه سقتها ، ولست مجنحا في الخيال ، ولا أتحدث من فراغ .
فالله أسأل أن ينصر دينه ، ويعلي كلمته ، وأن يحفظ العاملين لنصر الدين ، والساعين لتمكين الملة ، وأن يحقق آمالهم ، ويخذل أعداءهم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم .

ليست هناك تعليقات: