أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

حرب فرنسا


بقلم: مولاي عبد الله ولد مولاي عثمان
بقدر ما أربكت الحرب الفرنسية الناشبة هذه الأيام في شمال مالي أطرافها المتقاتلة والحكومات المتورطة – أو المورَّطة – أربكت كذلك المحللين والكتاب والمواطنين العاديين في موريتانيا؛ فبرغم أن طبول هذه الحرب تقرع منذ شهور والحشد لها يجري منذ أمد، نشبت وانقدح أوارها في لحظة ما كانت متوقعة وبطريقة ما كانت مظنونة من فرنسا والأنظمة الدائرة في فلكها السياسي والأمني بالمنطقة!

غيمة الارتباك أمطرت كل طرف بصيّب .. فالجزائر التي كانت تقف بشدة ضد الحرب وضد فرنسا عادت بعد نشوبها ففتحت سماءها لطائرات الميراج الفرنسية وأغلقت حدودها أمام الذين ستقصفهم تلك الطائرات العابرة من أجوائها، وكأنها لا تريد لأحد أن يفلت من مخالب الموت القادم من الغرب وجحيم النار الآتية من عاصمة الأنوار!
أما موريتانيا - التي لا يمكنها أن تغلق سماءها لعجز ذاتي - فتقول معلومات إنها فتحت أبواب أرضها أمام مخابرات فرنسا ومفارزها العسكرية الخاصة، وإن رئيسها تعهد لصاحبه الفرنسي في لقائهما بعد مرضه الأخير بأن يغض الطرف عن التحركات الفرنسية الميدانية في بلاده؛ تعويضا عن التدخل العسكري المباشر الذي حال دونه الرفض الشعبي والخشية من "ردة فعل" غير مأمونة داخل الجيش.
المحللون والكتاب الموريتانيون اختلفت مواقفهم أيضا من هذه الحرب اختلافا ظاهرا ما بين مصعّد يهلّل لفرنسا على دكّ المدن الأزوادية ومصوّب يهلل للجماعات المسلحة المسيطرة على تلك المدن، ومرجئ اتخذ قرارا بـ"الحياد".
والحقيقة أن غموض مآلات هذه الحرب المعقدة والمحيّرة لا يوازيه إلا وضوح أهداف فرنسا ومبتغياتها من الحرب في المنطقة التي ما زالت تراها ملك يمينها وما زال حكامها وعامة نخبتها السياسية يدينون لها بالولاء والطاعة، بل إن بعض زعمائها يدينون لها بأرواحهم.
 في هذه الحرب يختلط حق جمهورية مالي في وحدة أرضها وترابط كيانها سياسيا وجغرافيا بباطل مطامع فرنسا وجشعها واستعماريتها، كما يختلط حق شعب أزواد في طلب العدل والإنصاف والمساواة والكرامة بتهورات المسلحين وتشددهم وتوليهم أمر من لم يولّهم أمر نفسه.
 إن مالي دولة لم تشقَ بشيء كما شقيت بجيشها الخائر الفرّار؛ فقبل أن تنتشر الجماعات المسلحة في الشمال كان هذا الجيش يندحر يوما بعد يوم أمام ضربات المتمردين الطوارق وعندما اشتد عليه الخناق انقلب على السلطة الشرعية وخلّى نصف أرضه نهبى للمسلحين والأغراب!!
ولهذا فإن هذه الحرب الفرنسية يصعب أن ترد على مالي أرضها الشمالية حتى وإن خرجت الحركات المسلحة من أزواد وعادت إلى أعالي الصحراء؛ فمالي دولة بلا عدل يغري الأزواديين بالمحافظة على وحدة الشمال والجنوب، وبلا جيش وطني يحمى هذه الوحدة إن وجدت.
وعلى كل حال فإن الشعب الأزوادي هو صاحب الحق في قرار طرد الجماعات المسلحة من أرضه وليست فرنسا المحتلة ولا الحكومة المالية غير الشرعية ولا الإنقلابيون الفارون من أرض معركة الشرف أيام كانت مالي موحدة وكانت المسلحون خارج حدودها.
 وبالنسبة إليّ.. إذا حمل الشعب الأزوادي السلاح في وجه جماعة أنصار الدين وأخواتها أو خرج في مظاهرات شعبية عارمة ضدها فسأكون معه في دحرها عن أرضه بل في محوها من على وجه البسيطة إن أراد، وما دام لم يفعل ذلك فلن أومن بحق فرنسا فيما تفعل ولن أكون ظهيرا للمجرمين المحتلين.
 وإذا كان لي – كموريتاني - ثأر مقدس مع الجماعات المسلحة التي قتلت ظلما وعدوانا موريتانيين أحرارا من أبناء جيشي الوطني فإن ثأري مع فرنسا أشد قدسية وآكد وجوبا؛ ففرنسا هي التي احتلت وطني عقودا وقتلت الآلاف من أبنائه في السجون والمنافي والإعدامات الجماعية، وسعت ما وسعها الجهد إلى تغريبه ومسخ ثقافته، ونهبت خيراته وما زالت تفعل

ليست هناك تعليقات: