أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

الخبز التقليدي.. و"الشعوذة" في مدينة النعمه


alt
المخابز التقليدية كسبت رهان المنافسة منذ عشرات السنين (صحراء ميديا)
يعود تاريخ الكثير من المخابز التقليدية في عاصمة ولاية الحوض الشرقي لبدايات تشكل الدولة
النعمة ـ الرجل بن عمر
مع حلول رمضان يصفد شياطين الجن؛ فتخلو الساحة لشياطين إنس يديرون صراعا وهميا بين خبازين تقليديين وآخرون ينافسونهم بالآلة؛ حيث يتهافت سكان مدينة النعمة؛ شرقي موريتانيا على مادة "خبز الحطب" التي تتصدر موائد إفطارهم.
ووسط استعار حرب الخرافة تلك، يسود اعتقاد لدى معظم الصائمين من مستهلكي الغذاء الهيدروكربوني أن الأمر لا يخلوا من عفريت سلطه أصحاب المخابز المنزلية على كل من تراودهم فكرة الاستثمار في المجال؛ حيث ينتهي المصير بهم إلى الإفلاس.
ويقول محمدو؛ وهو صاحب مؤسسة خدمية، إن الخسائر والنكسات المتتالية التي مني بها أصحاب المخابز العصرية تكاد تكون التفسير الوحيد لكيد أصحاب المخابر المنزلية الذين قال إنهم يحتكرون السوق.
ويضيف؛ في سياق حديثه لصحراء ميديا، أن تواتر الروايات لدى الكثير من سكان المدينة بشأن تحول طحين الشعير لدى أصحاب المخابز العصرية إلى ديدان وحشرات كريهة؛ إلى جانب تلف آلياتهم وأعطابها المفاجئة "ليست إلا رصاصات من قبيل السحر"؛ على حد تعبيرهم.
نفس الشيء ألمحت إليه أمربيها بنت أحمد؛ وهي بائعة خضار بالسوق المركزية؛ حيث تقول إنها تفضل "خبز الحطب" على علاته وإن أقرت باستهداف أصحاب "خبز الآلة" من طرف مشعوذين مأجورين؛ بحسب اعتقادها.
ويعود تاريخ الكثير من المخابز المنزلية؛ التي يعتمد تشغيلها على دمار هائل للبيئة عبر كميات الحطب التي يتم شحذها، لبدايات تشكل الدولة الموريتانية.
فلا زالت "مخبزة فريد" التي تعود لستينيات القرن الماضي؛ حاضرة بقوة في عمق الصراع الحالي وخبزها تحول لماركة تجارية ذات نكهة خاصة وسط السوق وبعض الباعة المتجولين.
المخبزة العتيقة تعاقبت عليها اجيال كثيرة، ويديرها حاليا الشيخ ولد يبه الذي يعترف أنها بعمر جده وهو لازال يناضل بنفس تقنيات الماضي تقريبا.
الخباز الشاب يبدو مزهوا بإدارته لتلك المؤسسة شبه الوراثية وتغمره سعادة عارمة وهو يستقبل الشهر الكريم بمزيد من الإنتاجية والحضور اليومي بالسوق عبر شبكة من الباعة المتجولون؛ كما يظل المزود الوحيد للجهاز العسكري بالمدينة.
ورغم أن ولد يبه؛ بدا متفاجئا حين سألناه عن حقيقة استخدامهم السحر ضد أصحاب المخابز ذات الوقود الكهربائي؛ فقد أكد أن السحر الحقيقي هو سحر الأداء؛ الأمر الذي يصعب شرحه باعتباره أحد أهم أسرار المهنة.
ويضيف: "شخصيا أسمع عن اتهامات لنا بالشعوذة على نطاق واسع سواء من طرف المواطنين العاديين أو الخصوم المنافسين في الطرف الآخر؛ لكن الثابت أننا ندير السوق أمام أعين الجميع وليس لدينا ما نخفيه والناس يفضلون بضاعتنا دون حاجة إلى ترويجها؛ كما يفعل المناوئون".
alt
الشيخ ولد يبه؛ صاحب مخبزة تقليدية (ص م)
وأوضح ولد يبه أن "فشل محاولات أصحاب المخابز الآلية في فهم طبيعة السوق أو تلبية حاجياته الأساسية من مادة الخبر؛ ليس معناه أن أصحاب حوالي 50 مخبزة تقليدية "تحولوا فجأة إلى عفاريت مشيطنة لأذواق الناس"، وقال: "هذا لا أساس له من الصحة".
تمتاز مدنية النعمة بسمعة جيدة في مجال صناعة "خبز الحطب" لقيمته الغذائية مقارنة بخبز الآلة؛ فهو يخبز من طحين الشعير والماء والملح بالإضافة الخميرة غير المركزة على خلاف خبز الآلة.
وتوفر عشرات المخابز المنزلية التي تمون المدينة وضواحيها مئات فرص العمل شبه اليومية لشباب بعضهم حمل خبراته لمدن الطينطان ولعون وكيفة؛ حيث تحولوا هناك لشبه رجال أعمال.
هواجس "الشعوذة":
alt
مخبزة عصرية أغلقت أبوابها تحت تأثير منافسة الخبز التقليدي (ص م)
ورغم استبعاد أطفيل؛ وهو رفيق درب أحد ملاك المخابز الآلية لفرضية السحر ضد عصرنة إنتاج مادة الخبز التي تقدمت أشواطا في مدينتي باسكنو شرقا وتمبدغه غربا؛ إلا انه لا يخفي القلق الذي سيطر على مالك آخر مخبزة آلية بمدينة النعمة حيث أدى  إحباطه إلى افلاسه أخيرا رغم استفادته من برنامج دعم حكومي عام 2004.
أطفيل؛ أكد في حديثه لصحراء ميديا إفلاس محاولة أخرى عرفتها المدينة منتصف الثمانيات؛ حيث تكبد أصحابها خسائر بفعل تراكم الديون.
وبينما يروج له من حرب غير متكافئة بين صناع مادة الخبز سواء في نسختها التقلدية أو الحديثة، يبقى هناك مجال خصب لتكهنات البعض حول استحالة إقامة مشروع مخبزة عصرية مادام هناك من لا يروق له ذلك من أصحاب المخابز التقليدية.
نقلا عن صحراء ميديا

ليست هناك تعليقات: