أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

الاستفادة الوهمية ...


بقلم: مولاي عبد المومن
قد يعتقد البعض أن أكبر مستفيد من المناصب الحساسة في الدولة الجهة الأكثر كثافة سكانية وأكبر قاعدة شعبية لكن الأمر ليس كذلك ، لأن السياسة التي يتبعها كل نظام قديم أو جديد ـ يتشدق بالديمقراطيةـ أصبحت مكشوفة وواضحة للعيان لا تحتاج إلى تأويل ، بمعنى أنه يتم استغلال واستدراج بعض رجال هذه الجهات المسيطرين والمتمتعين بقواعد شعبية ثابتة  لا يستهان بها ،
يمكن لأي نظام أن يعتد بهم ـ أي الرجال ـ وأن يعول عليهم في كل استحقاق وطني من انتخابات برلمانية ( نواب ، شيوخ ) أو بلدية أو انتخابات رئاسية على وجه الخصوص ، حيث إن هذه الجهات أو المناطق أو بالأحرى القبائل ذات الكم الهائل من التجمع السكاني تلعب دورا قويا ومهما وتعطي دفعا معنويا، إضافة إلى كونها  رهان حقيقي وامتحان مصيري لكل من يريد خوض غمار الانتخابات وخاصة الرئاسية منها ، إذ لا يمكن لأي مترشح ـ حيث كان ـ أن يجهل تلك القاعدة الشعبية أو يتجاهلها أو يغض الطرف عنها حتى ، بل على العكس من ذلك لا بد له من يضعها في حسبانه ونصب عينيه.
فمن المستفيد فعلا بعد تجاوز المعترك السياسي والفوز في الانتخابات؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تحتاج إلى إلقاء نظرة تأملية وإمعان النظر وتمحيص جيد للمسار الديمقراطي في الدولة الفتية .
إذا كانت الكثافة السكانية تؤثر بشكل مباشر وفعلي على المسار الديمقراطي بشكل عام وسير الانتخابات بشكل خاص في البلد ، فإن تعيين بعض الأشخاص في مناصب معقولة ( شبه حساسة ) لحساب هذه الجهة أو تلك القبيلة ليس لسواد أعينهم فحسب ، بل لأغراض سياسية مهمة وكسب قاعدتهم الشعبية ـ بشكل أو بآخر ـ الهدف منها تنفيذ استيراتجية معينة ومخطط سياسي طويل الأمد.... وعند ما تثبت الأوضاع ويستتب الأمن وتهدأ الأجواء وتعود الأمور إلى مجراها الطبيعي وتنتهي اللعبة أو المسرحية السياسية يظهر وجه النظام على حقيقته اتجاه هذه المناطق وتعامله مع أبناء تلك الجهات التي كانت سباقة والسبب الرئيسي والمباشر في وصول رمزه ـ أي النظام ـ لسدة الحكم واعتلاء شخصه لكرسي الرئاسة ، فيقوم عندئذ بعملية معاكسة تتمثل في تصفية تلك الأطر ـ الذين تم الزج بهم لأغراض معروفة ومعلومةـ واحدا تلو الآخر واستبدالهم بآخرين من مناطق أخرى قد لا يكونوا منحدرين من نفس الجهة في أغلب الأحيان ،لأن الغاية من هؤلاء انتهت وكأن شيئا لم يحدث.
فهذه العملية الانتقائية والمزدوجة في نفس الوقت وفي بداية الأمر (عند الضرورة) وعملية التصفية بعد تجاوز المرحلة الانتخابية الصعبة والعصيبة ، صارت جلية للجميع ( أو على الأقل الأشخاص الذين راحوا ضحيتها) ولم تعد تنطلي على أي أحد يتمتع بأهليته أو إرادته وقواه العقلي ـ وإن كان البعض يعلم ذلك جيدا ، لكنه يتجاهله رغم أنه لا يجهله لأسباب قد تعود إلى منحه وإعطائه بعض المزايا وولائه شبه الدائم وتعامله وتأقلمه مع كل نظام مهما كانت صفته  أو حالته ـ ترى ما السبب الذي يجعل  النظام يتعامل مع هذه الشريحة الواسعة من المجتمع عندما تنتهي المرحلة المشار إليها ؟ هل السبب يعود لنظرة النظام لاستهزائية لهذه المناطق وأبنائها ، أم أن السبب يرجع في الأساس إلى أطر هذه الجهات ؟
  بمعنى أن ليس لديهم طموح ولا أفق مستقبلي أو نظرتهم قاصرة اتجاه كل ما يجري في البلد ولا يمكنهم منافسة الآخرين في تسيير البلاد وبالتالي يعاملون بهذه الطريقة لاستخفافية مع الحفاظ على ضمان ولائهم وتجديد البيعة لكل نظام سيحكم البلاد من جديد عاجلا أم آجلا فمن المستفيد إذا؟
إن الاستفادة الحقيقية  والفعلية لا تتحقق ولا تؤتي نتائجها ولا ثمارها إلا بعد انتهاء المعركة السياسية وتخطي جميع العقبات والحواجز التي تعكر صفو الانتخابات بشكل عام، حيث لا يمكن توقع أو حتى تصور هذه الاستفادة قبل أو أثناء خوض الانتخابات، بل تتجلى وتتجسد وتكون لها انعكاسات إيجابية وحقيقة لثلة قليلة من المجتمع  على حساب بقية المجتمع (الكثيرة) التي يتم لاستغناء والتخلي عنها وترمى مصالحها في مزبلة التاريخ وتحرم بشكل مباشر أو غير مباشر من المناصب المهمة والحساسة ذات النفوذ وشبه الاستقلالية إلى حين اقتراب انتخابات جديدة عندها تتم مراجعة الأمور ويتم وفقا لذلك الالتفات إلى الفئات التي تم التخلي عنها في فترة ما ومحاولة جلب خاطرها وتعبئتها من جديد للهدف وللغرض ذاته وهكذا.... هلم جرى .
   والآن حان الأوان للجهات الأكثر سكانا والأقل حظا في الدولة أن تراجع سياسيتها مع ضمائرها أولا وتثير هذه القضايا مع الطرف الآخر وتطالب بحقوقها المنبثقة من أصواتها ، لأن النظام لا يقدم لها ما تستحقه من العناية والأهمية ـ وإن كان هناك بعض من الأشخاص في الجهات المذكورة مستفيد من هذه الوضيعة ـ بل هي التي تمنحه أصواتها وثقتها وتعطيه فوزا كاسحا وشرعية مستمدة ونابعة من قاعدتها الشعبية ، فعلى الأقل أن يتم إشراكها في القرار السياسي وتقدم لها ضمانات أو يحفظ لها ماء الوجه وهذا أضعف الإيمان.
فمقدرات البلد وخيراته والمناصب الهامة فيه لا يستأثر بها إلا من اعتلى سدة الحكم والزمرة المحيطة به ، حيث إن هناك بعض المناصب الحساسة المدرة للدخل والتي تعتبر خطوطا حمراء في وجه أي مسؤول مهما عظم شأنه وارتفع مستواه العلمي ومكانته الاجتماعية... والنفوذية فليس بمقدوره توظيف أي شخص في تلك المؤسسات، إلا إذا كان عاملا بسيطا وجوده كعدمه .
 أما بقيت التعيينات العادية والتشغيل البسيط الذي لا أثر له ولا مردودية ولا فائدة منه ترجى متروك لمن هب ودب من المسؤولين بدءا بالوزراء مرورا بالأمناء العامين والمدراء وانتهاء بآخر هرم إداري في السلطة وكذا النواب والشيوخ والوجهاء ... واللائحة تطول .
وكملاحظة أخيرة ـ وبها أختم ـ فإذا كانت نظرة النظام اتجاه هذه المناطق ضعيفة  ـ كما ذكرناـ فإن نظرة الأطر المحسوبين على الجهة ذاتها أضعف هي الأخرى بكثير اتجاه أبناء جلدتهم وأقاربهم ... والدليل على ذلك هو أنه في حالة تم فصل أو عزل أحد هؤلاء الأطر أو ربما تجريده من منصبه من وزارة كان على رأسها أو مؤسسة كان يديرها أو إدارة كانت تابعة له لا تجد له أي أثر إيجابي (إلا من رحم ربك)  على أهله أو أبناء عشيرته ، بل على العكس من ذلك يكون عقبة في وجههم وحجرة عثرة أمام تشغيلهم أو توظيفهم ، سواء أكان ذلك التشغيل أو غيره تابعا لقطاعه هو أو قطاع آخر والشواهد على ذلك كثيرة ومعلومة ، ولعل هذا ما جعل أي نظام حاكم أو سيحكم مستقبلا في الدولة  يتعامل مع تلك الجهة أو المنطقة بسياسة الكيل بمكيالين، بمعنى أنه ما دامت عقلية أطرهم هذه فقد وجد من الطبيعي أو من الأنسب استغلال هذه العقلية البائدة لأغراضه الذاتية على حساب الفئات المذكورة .
فمن الضحية إذا؟   
                       

ليست هناك تعليقات: