أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

الشيخ عبد الله ولد بيه ..علم من أعلام الولاية


غِلَتْ السَّاحة الإسلاميَّة في السَّنوات الأخيرة بحزمةٍ من القضايا المُرتبطة بطبيعة الإسلام دين وحضارةٌ، ونظرة العالم إليه وإلى المسلمين والأُمَّة بأسرها، بعد حملة التَّشويه التي تعرَّض لها الإسلام والمسلمين في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، على يد الإعلام الصُّهيونيِّ ومن نحا نحوه في الإعلام الغربيِّ، ضمن الحرب العالميَّة الحالية على الإسلام.

وكان من الأهمِّيَّة بمكانٍ أنْ تنهض العديد من الأصوات من بين علماء وساسة ومُثَقَّفي المسلمين للرَّدِّ على هذه الحملات، وإبراز الوجه الحقيقيُّ السَّمْحِ للإسلام وطبيعته كدينٍ وسطيٍّ، وتشرح للعالم طبيعة الحضارة الإسلاميَّة وموقفها من الآخر.

ومن بين أهم الأسماء التي بَرُزَتْ في هذا الإطار، اسم الدَّاعية الموريتانيُّ عبد الله بن بَيَّه رئيس المركزِ العالميِّ للتَّجديد والتَّرشيد، ونائب رئيس الاتِّحاد العالميِّ لعلماء المسلمين، الذي عَمِلَ مع أسماءٍ عظيمةٍ، وعلى رأسها العلامة الدُّكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتِّحاد، على مواجهة هذه الحملة التي تعتبر الأصعب في تاريخ المِحَنِ التي تعرَّض لها الدِّينْ الحنيف عبر تاريخه الطَّويل.

من هو

تُعْتَبَرُ السِّيرة الذَّاتية للشَّيْخ ابن بَيَّه في حدِّ ذاتها محاضرةً حافلةً بالدُّروس المُهمَّة حول الإسلام والوسطيَّة، وحول أهمِّيَّة المثابرة والإصرار في حياة الإنسان المسلم للوصول إلى أهدافه ومبتغاه في رفع قيمة الدَّعوة وكلمة الله تعالى في أرضه... فمَنْ هو الشَّيْخ عبد الله بن بَيَّه؟

هو العلامة الشَّيخ عبد الله بن الشَّيخ المحفوظ بن بَيَّه، وُلِدَ في تنبدغة في ولاية الحوض الشرقي في

موريتانيا، 7في العام 1935م، وهو أحد أكبر علماء أهل السُّنَّة والجماعة المُعاصرين، واُختِير من جانب جامعة جورج تاون الأمريكيَّة كواحدٍ من أكثر خمسين شخصيَّةٍ إسلاميَّةٍ مُؤثِّرةٍ في العام في العام 2009م، ويعمل حاليًا أستاذًا في جامعة الملك عبد العزيز في جِدَّة.

نشأ ابن بَيَّه في بيئةٍ دينيَّةٍ؛ حيث والده القاضي الشَّيخ المحفوظ بن بَيَّه، بينما تلقَّى دروسه في الُّلغة العربيَّة عن العلامة الشَّيخ محمد سالم بن الشِّين، وعلوم القرآن الكريم عن العلامة الشَّيخ بَيَّه بن السَّالك المسومي، وتلقَّى علومه الشَّرعيَّة على أيدي هؤلاء جميعًا وغيرهم.

سافر الشَّيخ عبد الله بن بَيَّه إلى بعثةٍ في تونس لتأهيل كادرٍ قضائيٍّ شرعيٍّ، ثُمَّ عاد إلى بلاده، وبعد عودته تنقَّل في عدَّة مناصب، من بينها رئيس مصلحة الشَّريعة في وزارة العدل الموريتانيَّة ثم عُيِّنَ نائبًا لرئيس محكمة الاستئناف، ثم نائبًا لرئيس المحكمة العليا ورئيسًا لقسم الشَّريعة الإسلاميَّة بالمحكمة.

الوزير والسِّياسيُّ

عُيِّنَ الشَّيخ ابن بيَّه بعد ذلك مُفوِّضًا ساميًّا للشُّئون الدِّينيَّة في رئاسة الجمهوريَّة الموريتانيَّة، ثم عمل على تأسيس وزارةٍ للشُّئون الإسلاميَّة في موريتانيا، وكان أوَّل وزيرٍ لها، ثُمَّ تولَّى بعد ذلك عددًا من المناصب الوزاريَّة، من بينها وزارة التَّعليم الأساسيِّ والشُّئون الدِّينيَّة، ووزارة العدل والتَّشريع، ثم وزارة المصادر البشريَّة، ثم عُيِّنَ وزيرًا للتَّوجيه الوطنيِّ والمُنظَّمات الحزبيَة
ولم يكن ابن بَيَّه بعيدًا عن السِّياسة بمعناها الاحترافيِّ؛ حيث كان أمينًا عامًّا لحزب
الشَّعب الموريتانيِّ في عقد السَّبعينيَّات الفائت.

يُنْظَرُ للعلامة ابن بَيَّه كواحدٍ من أبرز رموز مدرسة الاعتدال والوسطيَّة، وفي الكثير من البلدان الغربيَّة، فإنَّ فتاواه أحد أهمِّ مصادر الأقلِّيَّات الإسلاميَّة هناك، ويصف معاصروه أفكاره بأنَّها تتميَّز بالاستيعاب العميق للأصول الشَّرعيَّة، مع القدرة على المزج بينها وبين الواقع المعاصر ومتطلباته، وهو ما جعله قادرًا على إصدار فتاوى وآراء في كثيرٍ من شئون المسلمين المُعاصِرة، ولذلك فهو أحد المُشاركين الدَّائمين في جولات الحوار الإسلاميِّ المسيحيِّ في الفاتيكان ومدريد.

اكتسب ابن بَيَّه مكانته منذ بواكير شبابه؛ حيث شارك في المؤتمر التأسيسيِّ لمُنظَّمة المؤتمر الإسلاميِّ في جِدَّة، وفي أوَّل مؤتمرِ قمَّةٍ للمُنظَّمة في المغرب في العام 1969م، بعد حريق المسجد الأقصى في أغسطس من ذلك العام، كما حضر عددًا كبيرًا من المؤتمرات الدَّوليَّة وهو لا يزال في الثَّلاثينيَّات من عمره.

وكان ابن بَيَّه مُلازمًا لعددٍ كبيرٍ من قيادات العالم العربيِّ والإسلاميِّ، ومن بينهم الملك فيصل بين عبد العزيز آل سعود ملك العربيَّة السَّعوديَّة في الفترة ما بين العام 1964م، وحتى العام 1975م، وكان مُرافقًا له خلال زيارته لموريتانيا في العام 1972م، وهو حائزٌ على وسام الملك عبد العزيز من الدَّرجة المُمتازة بسبب جهوده الدَّعويَّة والفكريَّة.

مُؤلَّفاته ومَهامِّه


من بين مُؤلَّفاتِه: "توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال"، و"حوار عن بعدٍ حول حقوق الإنسان في الإسلام"، و"خطاب الأمن في الإسلام وثقافة التَّسامُح والوِئام"، و "أمالي الدَّلالات ومجالي الاختلافات"، و"سدُّ الذَّرائع وتطبيقاته في مجال المعاملات"، و"فتاوىً فكريَّةٌ"، و"صناعة الفتوى وفقه الأقلِّيَّات"، و"مقاصد المُعاملات ومراصد الواقعات"، و"أثر المصلحة في الوقف"، و"البرهان"، و"الإرهاب: التَّشخيص والحلول"، و"دليل المريض لما له عند الله من الأجر العريض".

وبجانب عضويَّتِه في الاتِّحاد العالميِّ لعلماء المسلمين، ورئاسته للمركز العالميِّ للتَّجديد والتَّرشيد؛ فهو عضوٌ في هيئة الإعجاز العلميِّ في القُرآن والسُّنَّة، وعضوٌ في المجلس الأعلى العالميِّ للمساجد، وعضوٌ في الهيئة الخيريَّة العالميَّة الإسلاميَّة الكويت، وعضوٌ في مؤتمر العالم الإسلاميِّ في كراتشي الباكستانيَّة، وعضو المجلس الأوروبيِّ للإفتاء والبحوث، وعضو المجمع الفقهيِّ لمنظمة المؤتمر الإسلاميِّ، وعضوٌ في المجلس الاستشاريِّ الأعلى لمُؤسَّسة "طابة" بأبو ظبي بالإمارات، وعضوٌ في رابطة العالم الإسلاميِّ، وعضوٌ في المجمع الفقهيِّ الهنديِّ.

ويجيد ابن بَيَّه الُّلغة الفرنسيَّة، ويُقدِّم بها برنامجًا أسبوعيًّا فقهيًّا مباشرًا يجيب فيه على الهواء على أسئلة المشاهدين على قناة "اقرأ" الفضائيَّة، وله موقعٌ على شبكة الإنترنت بعنوان:http://www.binbayyah.net

قالوا عنه

قال عنه المُفكِّر السَّعوديِّ الدُّكتور علي العمري:" سماحة العلامة الشَّيخ عبد الله بن بَيَّه
أنموذجٌ لعلماء الأُمَّة الأكابر، وأستاذٌ قدوةٌ، ومفكِّرٌ مُرشِدٌ، وأحد أعمدة النَّهضة العلميَّة في البلاد العربيَّة والأوروبيَّة، وسماحة الشَّيخ عبد الله - حفظه الله - يُرْغِمُ كلَّ من جالسه إلى الإنصات إليه، واحترام رأيه، والأُنْس بتوجيهه، والوقوف مليًّا عند زُهده وورعه".

 
أمَّا العلامة السَّعوديُّ الدُّكتور عَوض بن محمد القَرْني، فقد قال عنه:" لعلَّ من العلماء والفُقهاء القلائل الذين عرفتهم بالجمع بين الفِقه بالنَّصِّ الشَّرعيِّ وحفظه وفهمه واستيعابه، وفقه واقعه وتنزيله على ظروف الزَّمان والمكان، فضيلة الشَّيخ العلامة عبد الله بن بَيَّه.. عَرِفْتَهُ وعَرِفَتْه السَّاحات الإسلاميَّة بآرائه الفذَّة واجتهاداته الواسعة في شتى أبواب الشَّريعة".

هذا هو الشَّيخ ابن بَيَّه، نموذجٌ على الوسطيَّة أجبر العالم كلَّه، بغير مسلميه على الاستماع إليه، فهل نستمع نحن إليه وإلى غيره من علمائنا الأجلاء؟

نقلا عن موقع هدش الإسلام!

ليست هناك تعليقات: