أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

بورصة الأعراض

بقلم: محمد الأمين ولد سيدي مولود
حقوق المغتصبات في المزاد برعاية رموز القبائل وتقصير السلطات! في ظاهرة من أكثر الظواهر التي تعكس مستوى ترهل المجتمع وفساد أسسه التي تسلط بشكل مطبق على أبرياء كثر وضعفاء عديدين، وفساد النظام وغياب أبسط أسس العدالة، تنتشر في موريتانيا ظاهرة التخلي عن حقوق المغتصبات، بل وبيع هذه الحقوق في "بورصة أعراض" ينعشها رموز اجتماعيون وقبليون، وبمشاركة بعض الفقهاء أحيانا، والوجهاء، وبتدخل من رجال الأعمال إذا استدعت الضرورة، مع تقصير جلي من طرف القضاء، واختلال في المنظومة التشريعية!
لقد بلغ تقدير جهات غير رسمية لعمليات الاغتصاب في موريتانيا حوالي 900 حالة سنويا، أي حوالي 18 عملية اغتصاب كل أسبوع، وأغلب هذه الإحصائيات تركز فقط على المدن الكبيرة وخاصة انواكشوط وانواذيبو. وتشير جهات مهتمة بهذا الملف أن الحالات التي يتم الإبلاغ عنها لا تتجاوز 10% من الجرائم المرتكبة!
ويكثر ضحايا الاغتصاب في الطبقات الفقيرة والمهمشة مثل سكان “الكزرات” والترحيل والأحياء الشعبية، وخادمات البيوت، وطالبات المدارس، والنساء اللائي تفرض عليهن طبيعة العمل والكد التنقل في أوقات مختلفة من اليوم وعبر وسائل نقل مختلفة.
لكن المؤلم في هذه الجرائم ليس فقط ما تلحقه بالضحايا من بؤس وتدمير لحياتهن في المستقبل، بل في بيع حقوقهن والتنازل عنها مقابل مبالغ مالية زهيدة أو تحت ضغط وجهاء اجتماعيين وسماسرة أعراض، وكل ذلك بالتواطؤ أو التقصير مع أو من السلطات المعنية في كل قضية.
وتنتعش هذه الظاهرة أكثر كلما كانت الضحايا أصغر والجريمة أكبر، فقبل فترة وجيزة تمت تناول المواقع الالكترونية لعملية اغتصاب ضد قاصر ـ قيل إنها يتيمة ـ تم تخديرها واغتصابها من طرف أحد أقربائها، وبطبيعة الحال تمت تسوية الملف وإطلاق سراح الرجل .. أي تم بيع عرض المسكينة في بورصة الأعراض هذه!
ضحية أخرى في الريف تم تجاهل ملفها من طرف الجهات المعنية (الدرك والقضاء) نتيجة نفوذ أهل مرتكب الجريمة، وبعد الضغط من ذويها تمت تسوية الأمر بنفس الطريقة المألوفة: وسطاء اجتماعيون، وأشخاص مستعدون للدفع، وتركت الضحية تواجه حياة صعبة، والمجرم يسرح ويمرح للبحث عن فرصة جديدة!
بل وأسوأ من ذلك، أنه تم الإفراج عن متهم باغتصاب أكثر من مائة فتاة وبضغط من وزير حالي ومرشح للنيابيات القادمة (حسب موقع تقدمي).. كما أن أحد المتهمين بالاغتصاب يقود إحدى لوائح الحزب الحاكم لنفس النيابيات! هذا بالإضافة إلى عمليات اغتصاب تم قتل ضحاياها بل والتمثيل ببعضهن مثل حالة الفتاة باندا سونوغو (هذه مجرد نماذج).
لقد تفاوتت ضحايا الاغتصاب هذا العام عمريا من 53 سنة إلى 12 سنة، واشتركن في نفس النتيجة وهي إهمال حقوقهن، حيث تم إخلاء سبيل أغلب المتهمين في هذه القضايا، وغالبا نتيجة عجز السلطات أو تقصيرها، وتمالئ النافذين، وشيوع عقلية المساومة والبيع حتى في قضية بهذه الخطورة والمأساوية!
إن جريمة الاغتصاب المتزايدة في موريتانيا تحتاج لفتة جدية على جميع المستويات. وأول هذه المستويات هو كف ذوي الضحايا عن بيع أعراض بناتهن بسهولة التنازل مقابل دراهم معدودة، أو تحت ضغط وجهاء سواء كانوا رموزا قبلية أو فقهاء أو رجال سلطة، فهؤلاء أصبحوا حماة الجريمة في مثل هذه الحالات.
كما تحتاج المنظومة التشريعية إلى إصلاح يقترب من إنصاف الضحايا أكثر بإدخال مواد جديدة في القانون، حيث يصعب في إطار القانون الحالي إثبات الاغتصاب على الفاعلين، في حين تصبح المرأة الضحية مجرمة عند كل تحقيق. ويجب أن يرفض هذا القانون الإفراج عن مرتكبي هذه الجرائم بهذه السرعة المألوفة حتى ولو تمت تسوية القضية في بورصة الأعراض هذه.
كما أن الفاعلين الاجتماعين يجب عليهم لعب دور حيوي في احتضان ضحايا الاغتصاب بدل تهميشهن الذي وصل حد طردهن من البيوت، وتركهن للانحراف نتيجة النظرة المجتمعية السلبية لضحية تظلم ظلما مزدوجا: باغتصابها أولا، ثم بالإفراج عن مغتصبها ثانيا، ثم باحتقارها اجتماعيا ثالثا، كما ولو كانت هي المسئولة.

ليست هناك تعليقات: