أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

هوامش على تهريج "لقاء الشعب"

بقلم: محمد الحافظ ولد الغابد
في لقائه الرابع بـ"الشعب" تبعا لمنهجية وخط "جريدة الشعب" في تغييب الشعب ظهر الرئيس ولد عبد العزيز وقد أخذ من أتعابه مسافة وبدى كما لوكان واثقا من نفسه ومظهرا للبشاشة والاستراحة رغم اللحظات التي بدا فيها مكفهرا خلال ساعات طويلة وكأنه يقرض بالمقاريض ربما بسبب أتعاب مرضه أو ربما لانفضاحه أمام نفسه وهو يجتاز مراحل من توصيات مستشاريه بعد إعداد خطة موسم الإجتراء على الافتراء فقد تحدث الرجل لمدة سبع وثمانين دقيقة تقريبا محاولا إبراز غطاء من الأرقام الناقصة معمما الحديث عن انجازاته خلال أربع سنوات بدل التركيز على السنة الأخيرة وحدها مما جعل اللقاء مكررا ومملا وفاقدا للحيوية الضرورية لنجاحه في مزيد من الإقناع بأداء نظام يفتقد المصداقية بين يدي موسم انتخابي ساخن تهدده الكتل الحزبية الرئيسية في البلاد بالمقاطعة أو في أحسن الأحوال وضع الجدول الانتخابي ولـــ"جنته المستقلة" أو "المستغلة" أمام القضاء للنظر في قانونيتهما.

افتخار بالانقلاب

وفي استبشار واضح بربيع انقلابات البيترو دولار التي بدأت في مصر في ثلاثة يوليو 2013 ولأول مرة تبجح الرئيس ولد عبد العزيز بكونه قاد انقلابين عسكريين في مسعى واضح لهز منطق الساحة السياسية الرافضة للانقلابات والتي تعاطت مع المسارات الانتقالية التي ترتبت على الإنقلابين2005-2008 وإن كانت المعارضة الموريتانية في الغالب احتاطت لنفسها بالتحفظ على تلك الانقلابات وإن تعاطت مع ما ترتب عليها من نتائج سياسية لأن واقعيتها السياسية كانت أعمق من مبدئيتها دائما.
ويريد الرئيس ولد عبد العزيز من خلال هذه اللفتة أن يرسل رسالة غير مباشرة للرأي العام بأنه بات في مأمن مخاطر الانقلابات في الحاضر والمستقبل كما يريد أن يستثمر السبق لتفسير التاريخ من خلال تبني صناعة الفعل الكلي للتحولات بدل حقيقة اختلاسه جهود الآخرين وسرقة جهودهم التي راكموها وعندما حانت لحظات القطاف ظهر السارق فجأة ليستولي على المشهد دون أن يبذل أبسط جزء وتلك صناعة مهرة السراق واللصوص عبر التاريخ.

دس في الماضي

حاول الرئيس ومستشاروه أن يحملوا الماضي أكثر مما يتحمل فكل سلبيات الواقع الراهن هي موروثة عن الأنظمة السابقة ولا علاقة للنظام الحالي بها وكل إيجابيات الحاضر هي من صنع النظام الحالي وبنسب عالية مبالغ فيها تتجاوز المنطق بكثير فالأحوال حسب منطق الرئيس تحسنت بنسب تتجاوز الخمسين في المائة حسب متوسط الأرقام المتفائلة التي تقدم بها والبلاد تتجه نحو البحبوحة وتجاوزت على كافة الصعد مراحل الخطر لسبب بسيط هو أن الرئيس ولد عبد العزيز يمتلك النية الحسنة والسعي للإصلاح وكل الأجهزة والمؤسسات تعمل بعد أن كانت معطلة وأغلبها نتيجة للمتابعة الشخصية للرئيس وليس لنجاح فريق العمل منطق يقدمه رئيس دولة أمام جمع الدهاقين ووزراء السوء الذين تعمد الرئيس إهانتهم من خلال هذا التكديس الذي حول الدولة ومسئوليها لحثالة من الدمى المركومة للتضحية بها واحدا تلو الآخر كأكباش فداء للعمليات النهب المنظم والفساد الكبير الذي تمارسه القلة المحيطة بالرئيس والتي تعيش في بلاطه وتحت حمايته.
ويبلغ الدس في الماضي قمة الوقاحة عندما يتعمد الرئيس التمثيل بمقاطعة بوتلميت على الحالة المتردية للمدن الموروثة عن الأنظمة السابقة في إشارة إلى نظام الرئيس المختار ولد داداه الذي يخاصم سياسيا أخاه أحمد ولد داداه لقد بلغ الرئيس شأوا بعيدا في البحث عن مسوغات لفشله الذريع.
ولكن الرئيس مع كل هذا كان خالي الوفاض من أي انجاز سوى الوعود والنوايا الحسنة التي تفتقر لمصداقية صاحبها بعد مضي حوالي ست سنوات من الأداء الفعلي لحكم الرئيس ولد عبد العزيز.

المفتشية المأمورة

من خلال حديثه عن عودة المفسدين وجد الرئيس ولد عبد العزيز نفسه كالميت بين يدي مغسله فهو لا يمكن أن ينكر حجم اعادة الانتشار التي مارسها لتحصين نظامه بــ"رموز الفساد" وفلول المفسدين من الأنظمة السابقة وبات يبرر هذه السياسية المناقضة لسابق خطابه بتبريرات فجة تفتقر للمنطق والإقناع.
وسقطت أحيانا اقنعة خطاب الرئيس أثناء الحوار واعترف بحقيقة استخدام المفتشية في الحرب على الفساد وكان الرئيس واضحا في أن كل من وصله دور كبش الفداء فكتيبة المفتشية العامة للدولة جاهزة للتعامل معه فهو سيؤمر بدفع المبالغ المتهم باختلاسها صدقا أو كذبا أو الدفع به لدهاليز الحبس وهذا المنطق من الناحية النظرية قد يكون مقنعا ولكن العديد من التجارب أكدت أن المفتشية أداة بيد الرئيس وحاشيته لتطويع كل من لا يقدم آيات الولاء والطاعة للنظام والنافذين فيه وبعض الضحايا أيضا تتم التضحية بهم خدمة لدعاية النظام حول جدية مكافحة الفساد لدى النظام بعد ما تم تلويثهم وتحميلهم مسئولية أخطاء النظام.

محمية الفساد

لقد بات واضحا أن ثمة محميات فساد في النظام الموريتاني تتم حمايتها بمحاولة خلق صورة نقية من مقاومة النظام للفساد ولكن أيا من مقربي ولد عبد العزيز لم تصلهم هذه الحرب لأنهم يقومون بأدوار غسيل الأموال لصالح السلطة في ظل عمليات الابتزاز التي تجري للمنافسين المحتملين من أقارب الرجل ليقول للموريتانيين أنه يحارب الفساد بجدية حتى ولوكان داخل محيطه الاجتماعي الضيق.
وعندما تم التطرق لموضوع الغلاء وصعوبة الحياة كان الرجل مصرا على استمرار سياسته الليبرالية المتوحشة مؤكدا أن الغلاء هو حتمية عالمية مشيرا إلى أن بعض المواطنين يستفيدون هم الآخرون من هذا الوضع من خلال خلق الوفرة لدى القلة المحيطة بالهرم السلطوي الأعلى وكأن استفادة المئات تسوغ حرمان الآلاف والملايين من الفقراء وهم أغلبية سكان البلاد. الإجابات عن اشكالات المخدرات وقضية مامير ومعتقلي أكوانتنامو سادها ارتباك وتلعثم يؤكد أن حساسيتها وأن ما قيل بشأنها لم يكن قريبا من الحقيقة بأي شكل من الأشكال.
ووقع الرئيس في خطأ سوء التقدير المتأصل في شخصيته وحساباته عندما حاول تسويغ وضع الف أوقية على بطاقة التعريف الوطنية وعاد ليقدم جرد حساب غير مقنع مشيرا إلى أن ما يبذله المواطن من مال في البطاقة أكثر في السابق عندما عاد لقدم فترة البطاقة الصفراء كنموذج متجاوزا فترة البطاقة الخضراء الأخيرة التي استمرت عشر سنوات وكانت تقريبا مجانية.
أما في قضية جوازات السفر فقد عرف الرجل أين يضع مؤسسات نظامه فهم في مكانة الرجال الملثمين الذين يبيعون جوازات السفر سابقا أمام إدارة الأمن في مقرها السابق ولكن أولئك كانوا أرحم من مائة الوثائق المؤمنة المفروضة الآن قسريا لتحسين دخل المؤسسة بين يدي العمرة والحج ويشتكي منها المواطنون يويما.
وبلغ الرئيس مستويات من الاستهزاء بالموقف لدرجة أنه كان يستخدم إيحاءات يحاول بها الابتعاد عن الحقيقة الموضوعية وحرج الأسئلة الموجهة إليه وقد استخدم هذا الأسلوب حينما سوغ ارتفاع أسعار المازوت بكون انخفاضها يؤدي إلى كثرة السيارات وازدحامها واستخدامها في وسائل غير محبذة أخلاقيا كــ"التسدار" ولم يذهب بعيدا مستخدما وخزة أخرى عندما نبه إلى أن بعض النساء لا تحبذ أن تعمل معها زميلتها وتفضل عمل الرجال معها في إشارة لبعض صراعات القطاع.

وبالجملة فقد حشد الرئيس ولد عبد العزيز لهذا اللقاء وخرج بمظهر باهت وتخندق في طروحات سلفه ولد الطائع الذي كان يخطب لمدة ساعة مكررا افكارا وطروحات سخيفة لا تقنع احدا وتؤكد أن البلاد وقت فريسة لتدبير ثلة مرتبكة بائسة لا يرجى منها خير ولم تقد لإنجاز مقدر لا يختلف اثنان على أهميته.

ليست هناك تعليقات: