أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

وضاعت حقوق الأزواديين !


بقلم: محمد الامين ولد سيد مولود
قبل 20 سنة .. كنا نجلس بين بعض أعضاء الجبهة العربية لتحرير أزواد وهم يغنون مع بعض المغنيات (جواري الأعماق) بنشيد في قمة الحماس عن تحرير أرضهم والتعلق بها ..

كنا مراهقين في السنة الأولى والثانية من الصف الإعدادي .. كان أؤلئك الرجال الذين يمثلون شدة رجال الصحراء وقوتهم البدنية يعكسون في جوانب من نفسياتهم شعور المغلوبين والمظلومين .. لقد تعرضت عائلات كثير منهم للقتل .. تعرضت زوجاتهم وأخواتهم للإغتصاب!
تعرض الرجال للقتل ذبحا وحرقا أحيانا .. ورميا بالرصاص غالبا ...
كانوا يغنون :
أرضي سمعيني / دنكْ تــُنـَقـًـايْ
من ذاك الل فيك / والل تصــــفايْ
كانوا يخاطبون الرئيس الانتقالي المالي توماني تورى حينها ـ أيام قاد انقلابه مطلع تسعينات القرن الماضي ـ بقولهم :
توماني تـــــورى / قاتــل لَبــْـــــــريايْ
موْتوُ مضمــونَ / في الحرب الل جايْ
كان صدق عواطفهم ونبل هدفهم أبلغ من العروض الحساني الذي لم يساعد كثيرا .. لم يكن ثمة أي هدف مختلط أو "متفوصِــي" .. كانوا مستعدين للتضحية بكل شي.. كان السيف أصدق انباء من الكتب ...
لم يدخل الإرهاب والعنف ضد المدنيين حينها على خط مطالبة الأزواديين بحقوقهم الكاملة .. بالإنصاف .. بالعدل .. بالتعليم .. بالصحية .. بالبنى التحتية .. وقبل كل ذلك بالكرامة الانسانية!
ورغم نقاوة نضال الأزواديين من أجل حقوقهم لم نسمع لفرنسا أي همس ولا للأمم المتحدة أو دول غرب افريقيا .. بل العكس تماما .. تمالأ الجميع ضدهم أو قصر على الأقل!
قبل ذلك بسنة كنت في ريف الأعماق حيث ترعرعت.. قدمت إلينا عشرات الأسر من الأزواديين ضمن آلاف نزحوا إلى من جحيم الدولة المالية إلى الشرق الموريتاني .. كان أغلب القادمين من كـَلنصرْ وكالغزافْ .. كنا نسميهم "لعجامْ" رغم أن بعضهم كان أفصح منا بكثير إذا تعلق الأمر بلغة الضاد ..
كان محمد أبو بكر .. أو "حَمًدوْ" من نصيب أسرتنا حيث أجرناه راعيا لبعض الماشية عندنا .. كان متضلعا في علوم اللغة والقرآن والفقه.. كان يحفظ المعلقات ومقامات الحريري ... كان أديبا جدا ومهذبا جدا .. وله خلفية تاريخة لا بأس بها .. كان ولوعا بحب أرضه تحرق أناته كبد من يساكنه كل سحر .. ومن يسامره كل ليل! كان شابا أقل من الثلاثين من عمره..
كنت أرعى مع حَمَدوْ الغنم في الغالب .. كنت أرى فيه أستاذا مجانيا نادرا .. لذلك استهوتني رفقته .. حفظت عنه من بين ما حفظت أبياتا كان يترنم بها دائما للحريري:
سروج داري ولكـــن / كيف السبيــــل إليها
وقدْ أنـاخَ الأعـــادي / بها وأخْنَوْا علَـــــــيْهـا
فوالّتي سِرْتُ أبْغـي/حَطّ الذُنوبِ لـدَيْــــــهـا
ما راقَ طرْفيَ شيءٌ /مُذْ غِبتُ عنْ طرَفَيْها
لا أعرف ما الذي سيقوله حمدوْ اليوم ـ الذي انقطعت عني أخباره منذ ذلك التاريخ ـ عن الأعادي الجدد .. الطائرات الفرنسية وعصابات القتل الأجنبية التي غزت أزواد منذ سنوات .. !
لقد تعلمت من حمدوْ كذلك أبجديات في لهجتهم "تماشغ" .. ثم بعض نشيدهم في التعلق بالوطن .. ربما يطبعه بعض التصحيف لضعف الذاكرة وطول الأمد وعدم الإلمام بلهجتهم:
توسس تلوَ / إن الخالفْ
ارش ياللَ / همتي غلفْ
تي مسينغ/ اذكلْ كولفْ
ادورْ موسم/ انجي ناجلفْ
دغبو غسً / كانم ياكرفْ ..... الخ
ضاعـــت حقوق أزواد اليوم بعد عقود من النضال ومن الظلم .. لقد راح الأزواديون بين مطرقة إرهاب زحف عليهم من دول الجوار خاصة الجزائر وموريتانيا .. حيث نصب حماده ولد محمد خيرو وبلعور وغيرهم من الأغراب أنفسهم أمراء في أرضهم يجلود ويقطعون أيدي من يشاؤون .. بل ويقتلون .. رغم الأزواديين .. وبين سندان قوات استعمارية غاشمة مدمرة .. تقتل الآلاف في لحظات بينما يضحك طياروها وهم يتفرجون على الجثث من أعالي السماء .. إنها فرنسا الارهابية ...!
لقد ضاع حلم الأزواديين في الحصول على حقوق ضحوا من أجلها بالكثير من الدماء .. والكثير من الدموع .. لقد تخلى عنهم العالم في لحظات لم يكن في نضالهم أي شية أو شبهة .. ليتكالب عليهم في غفلة من التاريخ ... سيموت الآلاف .. ستغتصب النساء ويقتل الأطفال ويقهر الرجال .. تلك هي ويلات الحروب وإنجازات المستعمر ... ستتطاير الشظايا لتشمل مناطق خارج أزواد ..
تذكير :
لم يقدم الغرب الاستعماري أي مساعدة ضد مجازر التوتسي التي راح ضحيتها حوالي 800 ألف مدني بريء في رواندا خلال ثلاثة أشهر مطلع 1994 .. الغرب يوجد حيث الأطماع فقط !
كانت بلجيكا هي من فرق بين الهوتو والتوتسي في بطاقات الهوية بعد سنوات طويلة من العشرة والتعايش ..

ليست هناك تعليقات: