أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

الحوض الشرقي: المواطنون يرفضون رسوم بطاقة التعريف الجديدة


رفض المواطنين وعزوفهم عن سحب بطاقات هويتهم قد نجد له ما يبرره إذا ما علمنا أن رسوم البطاقة الواحدة قد يتجاوز عشرة آلاف لبعض سكان المقاطعة الواحدة ، ما يعني أن أسرة من عشرة أفراد ستكون مجبرة على دفع مائة ألف أوقية للحصول على بطاقات الهوية لأفرادها ، وهو ما يساوي مرتب بعض آباء الأسر لأكثر من خمسة أشهر
"أمنة " ربة منزل قابلناها عند مركز تقييد السكان بالنعمة ، انشغالها بهدهدة وليدها لم يمنعها من الشكوى من الرسوم الجديدة ، قائلة إنها وصلت من بلدية "أم آفنادش " التابعة لمقاطعة النعمة ، وأن تكاليف نقلها ذهابا وإيابا بلغت  9000 أوقية ، ورسوم البطاقة الجديدة تساوي ألف أي أن الجميع عشرة آلاف ، لمن يصوم الليل والنهار ، أما غير ذوي النفوس الملائكية فإن تكاليف الإقامة بالمدينة ليوم واحد تبلغ على أقل تقدير 2000 أوقية ، أمنة طالبت السلطات بالتراجع عن فرض الرسوم الجديدة ، وفتح مراكز في عواصم الولايات حتى تكفي المواطنين مشقة السفر إلى مراكز عواصم المقاطعات .
وغير بعيد من آمنة يقف أحمد ولد محمد السالك عند شباك سحب البطاقة، موجها النصائح للشاكين من ارتفاع الرسوم ، محدثا إياهم بتجربته في معالجة النازلة كي يستفيدوا منها ، أحمد قال إنه كان يدخر كل يوم ما بقي بعد تكاليف معيشته اليومية ، وبعد خمسة عشر يوما من الادخار حصل على مبلغ ألف أوقية ، فجاء إلى المركز يتمطى وسحب بطاقته .
تجربة أحمد لم ترق لمحمد الامين ولد كرنت الذي يقف بجنبه عند شباك "السحب" والقادم من قرية "البربار" على بعد خمسين كلم من النعمة، لأنه باختصار لا يمكن أن يصل على رجليه من قريته البعيدة .

محمد الامين رأى أن الرسوم مجحفة بالمواطنين ، ويجب التراجع عنها فورا، وهو نفس الرأي الذي تتبناه مام بنت الحضرامي التي حملها محمد الامين في سيارته مجانا ، لتفاجأ عند نزولها من السيارة  برسوم السحب المغلظة ، فهي التي عجزت عن تذكرة السفر إلى مراكز التقييد ووجدت من يحملها مجانا ،بحاجة أيضا إلى من يدفع عنها رسوم البطاقة حتى لا ترجع بخفي حنين .
ما يجمع أمنة وأحمد ومحمد الامين ومام هو مطالبة السلطات بالرجوع عن قرار فرض الرسوم الجديدة  ،  وتوزيع البطاقات بالمجان، أو تخفيض سعرها ليتسنى لكل مواطن الحصول عليها.

مسرحية "جحا "                     

بعض محدثينا كان أكثر تشددا ، حيث هدد  في حالة عدم الاستجابة لمطلب إلغاء الرسوم  بالعزوف عن الذهاب إلي مراكز التسجيل، لحين تراجع السلطات عن رسم البطاقة الوطنية الجديدة ، واصفا عملية التقييد بأنها مسرحية "جحا" التي تدخل مجانا لكن الخروج منها معوض .

محمد ولد اسويدي أحد المحصيين بمركز تقييد السكان بالنعمة  قال إنه يرفض رفضا باتا الذهاب إلى مركز التقييد لسحب بطاقته ، معتبرا عملية تقييد السكان مثالا حيا لمسرحية "جحا" ، فالمواطنون تم تقييدهم مجانا، وعندما جاءوا لسحب بطاقاتهم فوجئوا بأن السحب لا بد له من ثمن .

محمد أكد أن مواطنته لا يمكن التشكيك فيها  ، وإذا كان لابد من دفع ألف أوقية مقابل بطاقة التعريف الجديدة  فإنه لن يسحبها، وسيظل متمسكا ببطاقته القديمة ، معللا ذلك بأنه لا يمكن أن يسحبها لنفسه ويترك بقية أفراد عائلته التي تتكون من 20 فردا ، وسحبها لعشرين فردا سيكون مضرا به لمحدودية دخله ، وتمنى  محمد  أن يعود للموريتانيين "سيدهم صاحب الشهاب الواحد " (في إشارة إلى معاوية ولد الطائع الذي يقول محمد ان رسوم بطاقة التعريف في عهده لا تتجاوز مائتي أوقية).


واعتبر أن هذا النوع من المشاريع يجب أن يمول من ميزانية الدولة التي استنزفت خيرات المواطنين ، وتعول في تمويل المشاريع الأكثر إلحاحا على ما تنتزعه من جيبه ، واستنجد ولد اسويدي بالفاعلين السياسيين والمنظمات الحقوقية لإنقاذ المواطن من جشع السلطة ، متسائلا عن الهدف أصلا من تخريب حالة مدنية وصل الرئيس الحالي عن طريقها للرئاسة وفق انتخابات تقول السلطات إنها كانت "شفافة".. فالسؤال: ما العيب الخطير في هذه الحالة المدنية ما دام يمكن تنظيم انتخابات شفافة عن طريقها.. ولماذا التسرع في مسحها تماما في هذه الوضعية غير المستقر من الحياة السياسية للبلاد وفي ظل امكانية تدارس موضوع انجازها بطريق اكثر "رحمة"؟..

مكره "الساحب "  لا بطل !!!


بعد لجوء الحكومة إلى اتباع سياسة العصا لفرض الإحصاء وسحب البطاقة ، عن طريق التهديد بتعطيل مصالح كل من لم يقيد ، بل وقطع رزقه ، اضطر مواطنون كثر من سكان ولاية الحوض الشرقي لسحب البطاقة الجديدة ، مكرهين لا أبطالا ، كما هو حال مولاي اسماعيل ولد عباس الذي قال إنه اضطر لسحب بطاقته وبطاقة زوجته بعد تعطل مصالحه في الإدارة ، مشيرا إلى عملية السحب كلفته 3000 آلاف عنه وزوجته ، 2000 للبطاقتين ، و1000 لسيارة أجرة استغلاها للوصول إلى مركز استقبال المواطنين ، أما بقية أسرته البالغ عددها 12 فردا فيؤكد مولاي عجزه عن تسديد تكاليف سحب بطاقاتها ، لمحدودية دخله، وصرفه في ما هو أولى بالنسبة للعائلة وهو القدر "المرجن" .
واستهجن مولاي لجوء الدولة إلى مغالطة المواطن عن طريق إيهامه في بداية عملية التقييد أنها مجانية، ومباغتته في نهايتها بهذه الرسوم المجحفة ، أما الطامة الكبرى ــ يضيف  مولاي ــ فهي ما سيدفع عن الجنسية وشهادات الميلاد .

نواب غاضبون ولكن ؟؟؟


بعض نواب الولاية الذي تحدثنا إليهم في الموضوع أكدوا أن مئات المشتكين من الرسوم الجديدة يقابلونهم يوميا ، وأنهم يدركون أنهم محقون في شكواهم ، إلا أنه لا يمكنهم قول هذا في الإعلام خوفا من غضب السلطان ، كما لا يمكنهم تبرير الرسوم خوفا من غضب المواطنين ، وانحسار الشعبية ، وفي هذه الحالة فإنهم يطلبون بإلحاح عدم نسبة أقوال منتقدة أو أخرى ممجدة في تقرير يتعرض لرسوم البطاقة الجديدة ، اتقاء لشر السلطان ، وغضب الناخبين .


لكن هؤلاء النواب في المقابل لا يجدون حرجا في إعلان مطالبتهم بفتح مراكز في عواصم البلديات ، وفتح باب النيابة في سحب البطاقة بين  أفراد الأسرة الواحدة ، وهو الطلب الذي يوافقهم فيه الشيخ سداتي ولد محمدي الأستاذ بثانوية النعمة ، إلا أنه لا يخفي خشيته من استغلال السياسيين لأي تسهيلات في هذا الجانب .


الكيل بمكيالين ...


ليست رسوم البطاقة الجديدة هي كل ما يشغل باب المترددين على مركز الحالة المدنية بالنعمة ، بل إن هنالك مآخذ أخرى على سير العملية ، منها اتهام المواطنين  للدولة باعتماد سياسة الكيل بمكيالين ، والتمييز بين المواطنين ، في الواجبات والحقوق ، مستغربين عدم توحيد التعليمات المنظمة لسير العملية في المراكز على مستوى الولاية ، حيث يتم التشدد في بعضها كما هو حال مركز النعمة ، في حين يتم التساهل إلى حد الإهمال في مراكز اخرى أكثر حساسية ، كما هو حال مراكز "باسكنو ، انبيكت لحواش .. وولاته " ما أدى إلى هجرات جماعية إلى هذه المراكز من مراكز أخرى .

المواطنون اتهموا الحرس المرابطين عند أبواب المراكز بإحداث فوضوية داخلها ، باختراق قانون الطابور ، والتمييز بين المواطنين على أساس الصفة والجهة ، والنسب .

تبريرات القائمين على المراكز

استفهامات المواطنين الحائرة حملناها إلى بعض القائمين على المراكز ، فرأوا أن التكلفة الكبيرة للمشروع ، ورواتب العمال المغرية أحيانا ، كافية لتبرير الرسوم الجديدة .

رؤساء المراكز أكدوا أنهم يشعرون بالحرج أحيانا عندما يقابلون مواطنين معوزين ، كما يشعرون بالضغط عندما يكونون أما أصحاب النفوذ الاجتماعي أو السياسي .

ختاما وكما يقول المثل العربي "رب ضارة نافعة " فإن مصائب قوم عند قوم فوائد ، فالرسوم الجديدة على بطاقة التعريف ، وإن أغضبت أكثر المواطنين ، وسببت إقبالا شبه منعدم أمام شبابيك السحب ، فإن ميسورين رأوا أن انشغال الفقراء بالجدال حول الرسوم وفر عليهم فرصة الوقت الذي كانوا سيقضونه في الطوابير أمام شبابيك السحب ، لو أن الرسوم كانت معدومة ، لأن الإقبال سيكون كبيرا .

جدير بالذكر أن السلطات الموريتانية كانت إبان توزيعها للبطاقات التعريف الوطنية القديمة قد رسمت مبلغ 500 أوقية لحصول المواطنين عليها، الأمر الذي جُوبِه برفض المواطنين أو عزوفهم عنها، للتتراجع عن ذلك بفعل ذلك الرفض أو العزوف، ليتم تقليص المبلغ إلي 200 أوقية لكل بطاقة تعريف وطنية في موريتانيا.

ليست هناك تعليقات: