أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

مقاطعة جكني: جفاف الينابيع ... وجفاء المسؤولين!


بقلم: محفوظ ولد السالك
ما إن يرن جرس فصل الصيف، حتى تبدأ أزمة المياه في مقاطعة جكني تطفو على السطح، ويبدأ مشوار المعاناة في البزوغ، معاناة كتب لها أن تتجدد بشكل موسمي، هكذا اعتاد ساكنة المقاطعة المعزولة على اللدغ من نفس الجحر مرات عديدة، لكنهم كانوا في كل مرة يتشبثون بقش الصبر إلى أن يعبروا معاناتهم بنجاة، وهو ما لم يستطيعوا فعله هذه المرة، بفعل ارتفاع منسوب المعاناة.

لئن كانت هاجر قد سعت بين الصفا والمروة بحثا عن الماء لإسماعيل، فإن المئات من هؤلاء السكان يسعون بشكل يومي بين الصفا والمروة، وأحياء أخرى بالمدينة بحثا عن كوب من الماء يطهون به لأطفال لا زالوا يلبسون حلة البراءة، وقد أدمنهم الجوع والمسغبة، وشيوخ بدأ دبيب الهرم يتسلق أجسامهم، فوهن منهم العظم، واشتعل الرأس شيبا، وبدأ الموت بالتقسيط ينهشهم، ونساء لا حول لهن ولا قوة... كل ذلك ولا أحد يحرك ساكنا.
مرارة هذا الواقع الأليم، أرغمت سكان المقاطعة على هجر وادي الصمت ـ الذي أصبحت تعافه الشعوب العربية منذ أن أضرم ابن مدينة سيدي بوزيد النار في جسده ـ  بعد سنوات من النزول تحت دوحه، رغم خلوه من "الحنو"، ومن "وقاية لفح الرمضاء"، فكان أن احتجوا، وتظاهروا، واعتصموا... فقوبلت مطالبهم المشروعة، بالتصامم، وقال من هم في العاصمة نواكشوط وبعيدون عن ساحة المعاناة، إن الأمر مبالغ فيه، وإن المقاطعة بألف خير... وهي جمل اعتاد هؤلاء ذكرها عند "أربابهم"، فكان أن جنت منها المقاطعة الجوع، والعطش، والمرض، والجهل...
لما سئل أحد مسؤولي المقاطعة ذات مرة عن سبب تواجده في العاصمة، وكان فصل الصيف حينها قد بدأ، كانت إجابته أنه يريد قضاء إجازة بعيدا عن أزمات العطش، ودرجات الحرارة المرتفعة، هكذا هم معظم مسؤولي المقاطعة، فبعضهم لا يريد من السكان سوى التصويت لصالحه، مقابل "سياسة اللا إنجاز"، وعندما يتظاهر السكان ويحتجون على أوضاعهم المزرية، وظروفهم الصعبة،فهذا يعني من وجهة نظرهم أن هناك أجندات سياسية خفية هي التي تتولى تحريكهم.
أما من مكث منهم خلال فصل الصيف هناك، فإنه لا يجد مندوحة من استخدام سيارات الدولة في جلب ما يروي ظمأه ويقضي باقي حاجاته من المياه، والمواطنون لا يجدون ما يشربون، وإن وجدوه فسيكون نزرا، ولن يتم الحصول عليه إلا بعد ساعات من الانتظار والتنقل بين مناهل غير عذبة، وشديدة الزحام، وبالتالي فغالبا ما تكون مضاره أكثر من منافعه.
ولا تتوقف مشاكل المقاطعة عند أزمة المياه فحسب، وإن كانت الأكثر إلحاحا في اللحظة الراهنة، وإنما لا زالت تعاني أزمات عديدة، لم تندمل جراحها بعد، فطوق العزلة ضارب بأطنابه، بفعل غياب شبكات الطرق، والصحة متدهورة، بفعل غياب الأطباء الأكفاء، واحتراف بعضهم بيع الأدوية بأسعار تذبح المواطنين، والتعليم متدن جدا، نتيجة ضعف مستويات المعلمين والتلاميذ، والنقص الكبير في طاقم المدرسين... ومع ذلك لا أحد من المسؤولين يولي هذه الأزمات أدنى اهتمام.
وفي ظل استمرار أزمة المياه التي لم تجد بعد طريقا إلى الحل، سوى بعض الوعود التي سرعان ما خيس بها، يظل ساكنة المقاطعة في صراعهم المرير ضد البقاء، بعد أن أدار المسؤولون لمطالبهم ظهر المجن، واعتبروا الأمر ضربا من المبالغة، وأن الوضع عادي، وقد اعتادت عليه المقاطعة في فصل الصيف، وأن هناك بعض الأطراف وراء تظاهر الساكنة، واحتجاجاتهم.... إلى آخر المبررات الواهية.
 وأمام جفاف الينابيع ونضوبها، وجفاء المسؤولين وعدم اكتراثهم، لم يبق إذا أمام ساكنة مقاطعة جكني وقد استنفدوا إمكانياتهم المتاحة، سوى أن يشكوا بثهم وحزنهم إلى الله.

ليست هناك تعليقات: