أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

كفايــة أيها الجنرال ـ لا نريدها أربعين


محمد ولد الطيب
درس فهمه الملوك ووعاه بعض القادة في الجوار , ويعجز العسكر حتى الآن عن استيعابه ـ علي وضوحه وبساطته ـ رغم ما منحوه من وقت , ورغم ما شهدوه ويشاهدوه من مصير أقوام تشبثوا بكراسيهم واستمرؤوا السلطة وأبوا تسليمها , فالعقيد القذافي الذي أمضي في الحكم أربعين سنة ولم يقبل التنحي لفظه شعبه وقتله , وزين العابدين ومحمد حسني مبارك وعلي عبد الله وما آل إليه أمرهم ـ وقد أمضوا في الحكم ثلاثة عقود ـ معلوم لدى الكل , والفترة نفسها قضاها الأسد بامتداده الزمني في نسخته الحديثة بشار الذي أوشكت شمس يومه علي المغيب,
وبين الثلاثة والأربعة عقود تسيرون بنا إلي المجهول أيها الجنرال بحكمكم الممتد في زمنه بنفس الممارسة والعقلية والتفكير لا فرق , وإن توارى وجه وبدا آخر, فمحمد خونه هو نفسه أعل , وأنتم نفسكم ولد الطائع وإن اختلفت الأوجه , وتباينت الشعارات , من شعار: هياكل تهذيب الجماهير , ومحاربة الأمية , والحكم الرشيد ,  إلي شعار: محاربة الفساد , فالشعارات تبقي شعارات , والعسكري الحاكم هو عسكري ولو انسلخ من جلده , فسلفك الطائعي أيها الجنرال كان فاعلا رئيسا ضمن غيره من الضباط الذين تورطوا في الإطاحة بالحكم المدني 1978 واحتفظوا لأنفسهم بالسلطة , وإن لم يعدموا ـ كما هو الحال في كل الانقلابات ـ من الذرائع الواهية ما يبررون به انقلاباتهم , ومن المبررين من يبرر لهم ويتأول .
وكنت أنت أيها الجنرال طيلة تلك الفترة التي قاربت الربع قرن من الزمن شاهدا وحارسا لفساد وبطش ولد الطائع , إلى أن غدرتم به ـ والجزاء من جنس العمل ـ وحينها غدوت ولا شك المتنفذ والمستفيد (!) ضمن المجموعة العسكرية من كل المليارات التي نهبت , وكنت علي الأقل المتمالئ حتى لا نقول الساكت علي ما قيم به طيلة تلك الفترة من خداع ومغالطة للشعب.
 ورغم كل النهب والظلم الذي مورس في حق الوطن والمواطن في تلك الحقبة السوداء أراد المواطن تناسي الأمر , وقد لاحت له في الأفق بشائر حكم مدني مؤملا منه استعادة الدولة ـ المشروع , حيث لا دولة علي الحقيقة ـ فكانت غدرتكم التي لا تغتفر أيها الجنرال ولو أنكم وجدتم أنتم أيضا صبيحة ذالك اليوم من يبرر تلك الفعلة الشنيعة من نوابنا الأحرار (!) مع غيرهم من المأجورين وضحايا الشعارات الشعوبية الزائفة التي تفننتم في إطلاقها وانخدع بها الآلاف قبل أن يسقط القناع وينكشف زيفها ويسأمها المواطن بعد أن يئس من الإصلاح ومل الوعود , فثلاثة عقود ونصف من الوعود الكاذبة تكفي .
كنت استغرب كيف لم يفهم هؤلاء القادة الدرس ويرحلوا بهدوء حين طالبتهم شعوبهم بذالك وصبرت عليهم بما فيه الكفاية , لكنني أدركت الآن أن الظلم الذي مارسوه طيلة تلك الفترة في حق أنفسهم وفي حق شعوبهم حجب عنهم التوفيق حتى يذيقهم الله به ما أذاقوا الشعوب من الظلم والهوان , في الدنيا قبل الآخرة مصداقا لقول الله تعالي: (( قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا (87)) فمن طغي وأسرف في الدماء وقتل قُتل , ومن ملأ السجون والمعتقلات من الدعاة وأصحاب الرأي أُحل محلهم في السجن وحوكم , ومن عذب ونكل نُكل به وأحرق وشوه , ومن طرد المواطنين خارج أرضهم وشردهم شُرد ويطارد, أيها الجنرال نحن لا نتمنى لكم مصير من سبقوكم ومن تواصلون السير علي خطاهم وخاصة أقربهم منكم زمانا ومن لا يعجبكم طبعا حاله ولا يسعدكم ذهابه بشار الأسد الذي أحاط نفسه ببطانة تحيطون أنفسكم ببطانة تشبهها وتدنيهم لتبعد من لهم أخلاق ولم يقبلوا التلويث وتعالوا علي المساومات.
أيها الجنرال قد يكون للمقارنة هنا بعض الوجاهة رغم اعتراض من سلفكم " نجاكم الله " , فمحمد حسني مبارك قال إن مصر ليست كتونس , كما قال ملهمك الزعيم إن ليبيا ليست كتونس ولا هي كمصر , وهو تماما ما صدر عن الأسد , ولا أراك إلا تؤمن بهذا الطرح , فموريتانيا ليست كباقي الدول التي يحكمها العسكر لعقود ويستشري فيها الفساد والمحسوبية والظلم ومصادرة الحريات ... إن لم يكن هذا من قبيل كلام المعارضة الذي هو محض هراء وكذب , فالزين رائد معجزة تونس الاقتصادية كانت قصوره مغارة علي بابا وهو الذي لا يكذب, ومبارك الذي لم يكن يسعي يوما لسلطة أو جاه كاذب كانت ثروته  من المال الحرام تفوق الستين مليار دولار وهو لا يكذب , والزعيم القائد وهو مجرد فرد من أفراد الشعب ويحارب اللبرالية البشعة عثر علي ثروة له خارج البلاد قد نهبها تفوق المائة والأربعين مليار دولار وهو لا يكذب , وأنت جنرالنا العزيز لا تكذب  , فلا تكذب ولا تسرق وارحل بسلام .

ليست هناك تعليقات: