أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

مأساة اللاجئين الطوارق في موريتانيا


ما إن اندلعت شرارة الحرب غير بعيد على حدودنا الشرقية بين الجيش المالي وحركة تحرير أزواد،حتى قذفت إلينا هذه المحرقة الجديدة في شريط الساحل الملتهب أصلا بآلاف المهاجرين الهاربين من فوهات المدافع والنيران ،فكانت مدينة "فصالة" بوابة كبرى لاستقبال ضحايا هذه الحرب ،والذين ظل عددهم يتضاعف باستمرار منذرا بمأساة إنسانية حقيقية على الأراضي الموريتانية،تعكس بجلاء الوجه البشع للصراعات الدفينة في هذه المنطقة،وليتحول انتباه الرأي العام الوطني والرسمي بتوجس ملحوظ إلى هذا المشهد التراجيدي،والذي لا شك أن التعامل معه بقدر غير يسير من الاستنفار المدروس وفن إدارة الأزمات بات من الأولويات الآن ،لما يشكله هذا التطور الخطير في الحرب بين أبناء الجار القريب من تداعيات اجتماعية وأمنية وحتى اقتصادية على بلادنا في مرحلة لها همومها وانشغالاتها الوطنية الكبرى ناهيك عن التطورات الإقليمية المحيطة وخاصة على الضفة الأخرى في السينغال.



في الأيام الأولى لانفجار الوضع بين الأشقاء على حدودنا كتبت محذرا من انعكاس ذلك سلبيا على بيتنا الداخلي ،وذلك في مقال تحت عنوان" مالي والجار قبل الدار" ،منبها إلى ضرورة"الاستخارة" في قراءة أبعاد وسيناريوهات مسار الأحداث ،والتي قلت إن من أبرز آثارها التي ستطفح قريبا علينا هي دخول موجات عارمة من اللاجئين إلى بلادنا ستكون بداية أزمة جديدة ومأساة إنسانية لن تنحصر أبدا في زمان ومكان معين بل قد يكون لها ما بعدها في مناخ السلم والاستقرار العام.
قبل حدوث هذا النزوح الإنساني الكبير إلى مناطقنا الشرقية،كان برنامج"التضامن 2012"،الذي أعلنت عنه الحكومة هو حديث الساعة باعتباره خطة تدخل خاصة ذات طابع استعجالي موجهة إلى مناطق عديدة متضررة هذا العام من آثار الجفاف وشبح المجاعة ،بعد أن جف الزرع وذبل الضرع في أهم المناطق الزراعية والريفية المعروفة بالتنمية الحيوانية،وهي أساسا تلك التي تقف الآن في الحوض الشرقي محاذية لمأساة اللاجئين الطوارق من نساء وأطفال وشيوخ، تقطعت بهم الأسباب ويترصدهم الموت من كل جانب ،ومالهم سوى"أرض الرجال" بحثا عن الأمن والأمان.
إن واجبنا الديني والإنساني اليوم هو أن ننجد هؤلاء المدنيين المتضررين،وأن نمد لهم يد المساعدة بالتنسيق مع كل المنظمات الإنسانية،والتي يؤسفني أن مستوى تعاطيها مع هذه المأساة ما زال دون المستوى المطلوب،وربما تكون الحكومة الموريتانية بحاجة ماسة إلى حملة إعلامية قوية للتحسيس بهذا الموضوع حتى لا تخرج ظاهرة الطوارق الهاربين من جحيم الموت،إلى مخاطر من نوع آخر تطرق علينا في موريتانيا الأعماق أبواب الانسجام الاجتماعي والنسيج الوطني العام،وقد بدأنا الآن في نواكشوط نشاهد بعض إفرازات هذا الوضع السيئ في الشوارع العامة بعد أن استفحلت مظاهر التسول لنسوة في المدينة تحسبهن بالملحفة من بني جلدتنا وماهن إلا عابرات من وراء الحدود.
على منظمات المجتمع المدني في بلادنا أن تثبت جدارتها اليوم في التعامل مع ظاهرة اللاجئين الجدد،وأن تنتقل عن قرب إلى باسكنو وفصالة ومناطق الإيواء،حتى تكون لها مقاربة حقيقية في احتواء الآثار الثقافية والاجتماعية المتوقعة لهذا النزوح الكبير نحوبلادنا،والذي يختلف بكثير عن موجات من النزوح الآخر الذي استقبلته في الشهور الماضية لآلاف من العائدين من ليبيا وساحل العاج وغيرها، وإن كانت الآثار المترتبة عن ذلك في الميدان لا زالت ماثلة للعيان في البطالة والسكن والتعليم والاندماج الحقيقي في المجتمع والحياة النشطة فيما يشبه الاغتراب الداخلي.
وأعتقد أنه ما لم تلعب موريتانيا بسرعة في الأيام المقبلة دورا متميزا كوسيط "محايد" بين الإخوة المتحاربين في مالي،ودعوتهم إلى طاولة المفاوضات حتى نسمع بمصطلح جديد في وسائل الإعلام هو"اتفاق نواكشوط"،فلن تضع الحرب أوزارها على حدودنا الشرقية،وسنبقى قبلة وحيدة لمزيد من اللاجئين الذين ستقع علينا وحدنا في النهاية مسؤولية تحديد مصيرهم، في ظروف صعبة عندنا فيها ما يشغلنا كثيرا في "الداخل"، فما بالكم إذا اختلط مع هذا الهم في "الخارج"
إنني لخائف حينها أن يختلط الحابل بالنابل!
أمرتهم أمري بمنعرج اللوى
فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
سيدي ولد أمجاد

ليست هناك تعليقات: