أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

التسول السياسي ...

بقلم حدامي محمد يحي
التسول ظاهرة سيكولوجية وسيسيولوجية، يعاني منها المجتمع، وذمها الإسلام، فحث على العمل والاكتساب، والتعفف عن الناس، وسؤال رب الناس، حتى بايع صلى الله عليه وسلم أصحابه ثم قال: ولا تسألوا أحدا، فكان الرجل يسقط سوطه فينزل ليأخذه بنفسه ولا يسأل أحد أن يناوله إياه.
وفي عصرنا اليوم أضحى التسول حرفة ومهنة لدى كثير من الناس ، ووسيلة للكسب ، وتجارة رابحة.
بل إن البعض اتخذ التسول كمؤسسة مدرة للدخل ، يوظف فيها من شاء من أبناء جلدته ليعينوه في مسألته ، ويتقاسموا معه الدخل اليومي .
في الشارع ، في السوق ، في المسجد ، في البيوت ، متسولون أحاطت بهم الكوارث والبلابل ، في كل يوم ينسجون قصة ، مرة يدعي مرض نفسه أو أمه أو أخته أو فصيلته .
والأطرف من ذلك كله أن أحدهم صدمته سيارته من حيث لا يدري وهو يتسول ، فلما اجتمع عليه الناس رحمة به وبضعفه ، أشار بطرفه على السائق إشارة محزون ولم يتكلم .
إنهم المتسولون ، ضرب عليهم الفقر خيامه ، وسكن بحيهم فلا يبغي عنهم حولا ، فراشهم التراب ، ولباسهم الحر والقر ، وظلهم الشمس ، يمدون أيديهم إلى المخلوق يريدون عطاءه فهم في فقر دائم مادامت نفوسهم التي باعوها بالدرهم والدريهم .
وقديما قال الأعرابي :
أبا مالك لا تسأل الناس والتمس بكفيك فضل الله والله أوسع
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
لكنهم يتسولون كما يتنفسون ، يريدون ما في يد الغير ، فلا يرون إلا الإملاق والضنك .
هؤلاء هم متسولو الشوارع ، أما (المتسولون السياسيون) فهم متسولو القصور والدور الذين لبسوا أحسن الثياب وركبوا السيارات الفارهة يحملون حقائبهم الكبيرة ، ويتسولون بأقلامهم وبأفكارهم ، يبتغون من فضل ساستهم ، فهم في سفر دائم ونفاق وتملق قل نظيره ، يسميه البعض (بالنفاق السياسي) وهو التسول بعينه فلماذا لا نسمي الأشياء بأسمائها ؟
لا فرق بين متسول الشارع والمتسول السياسي ، وجههم واحد ، وثوبهم واحد ، غير أن : "المتسول السياسي "ولد قبل الآخر بألفي عام ، فهو خبير بتاريخ وجغرافية النفاق والتملق.
يظنه البعض حاملا لهموم المجتمع والوطن والأمة ، والحقيقة أنه لا يحمل سوى هم بطنه طولا وعرضا ، يبكي على منصبه ، ويضحك عند سيده الذي يجود له أحيانا ، ويمسك عنه أحايينا ...
ففي كل المنسابات السياسية منافقون متسولون يضربون طبول الساسة ، ويغنون لهم بأصواتهم الخشنة التي ملها الشعب ، وملها الوطن المكلوم الذي أضحى كعكعة بين تافهين : (لصوص الوطن – وقطط الوطن).
لقد نذر المتسول السياسي القطيعة مع الكرامة والشهامة والأنفة ، وكأنه تسول في بطن أمه قبل أن يولد ... و لو وضع في صحراء لا أنيس فيها لأوشك أن يسأل الريح والشجر .
تجري المذلة في جسمه كما يجري دمه ، لا صوت له سوى صوت المال ، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض .
ويحسب التافهون أن الذي يلهث وراء المال كما يلهث الكلب ، أنه مناضل سياسي وما هو إلا رقيق للأوقية ومملوك للدينار ، يحمل قدحه بين أحزابه السياسية عسى وعسى ...
إن هذ ه الظاهرة ظاهرة غريبة ومشينة ، قتلت الهمم ، وجعلت أصحاب القلوب الصناعية ساجدين راكعين للأحزاب الحاكمة أو غير الحاكمة ، قصد سد فراغ الجيوب ، وكسب لقمة العيش .
ويبقى السؤال المطروح أين أصحاب الحجا؟ أين عظماء النفوس ؟
ألا بعدا لعالم كهذا يصبح المرء متسولا ، ويمسي شريفا – كما يحسب نفسه - ، يبيع نفسه ووجه بعرض من الدنيا .

ليست هناك تعليقات: