أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

الحوض الشرقي ينتخب معارضا..!

بقلم: أحمد ولد إسلم
"هل تريد أن تفضحنا؟! منذ أن بدأ التصويت في هذا البلد لم يسجل التاريخ أن قريتنا خرجت منها بطاقة  لصالح المعارضة، ولن تأتي أنت أيها الصبي الغر لتهز ثقة الدولة فينا"
 هذه ترجمة حرفية لكلمات وأد بها أحد وجهاء قبائل الحوض الشرقي في قرية معزولة، طموح شاب للتغيير، ولم يكن الشاب حينها منتميا لحزب سياسي معارض بالمناسبة.
 فقد كان ذلك في انتخابات 2001 ولم يكن في البلدية الريفية إلا لائحة واحدة للحزب الجمهوري الديمقراطية الاجتماعي، الذي ورثه حزب عادل وورث الاثنين معا حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وورثوا معه البلديات أيضا.
 كان الشاب يحاول إقناع بعض أقرانه بالتصويت للائحة نيابية لحزب التجمع من أجل الديمقراطية والوحدة الذي كان حينها من أحزاب الأغلبية ثم انصهر في عادل وبعث الله فيه الروح بعد الانقلاب.
 الكلمات ذاتها ما زالت تتردد في الوسط الشعبي والقبلي في مختلف المناطق الموريتانية، ولكن صداها في الحوض الشرقي أقوى، والآذان الواعية لها هناك أكثر، ورعاة استخدام الخزان القبلي الانتخابي نقضوا كل عهودهم إلا عهدا واحدا، وهو استخدام شيوخ القبائل لضمان التصويت، ووعدهم أن لا يكون في دوائر صنع القرار إلا من يرضيهم ولاؤه.
 بدأت اللعبة بالتزوير، كان شيوخ القبائل يزورون الانتخابات لصالح مرشحيهم الذين اختاروهم في أول انتخابات نيابية نهاية الثمانينيات، وردا للجميل كان النظام الطائعي يعين من ترتضيه تلك القبائل في مواقع السلطة والنفوذ، مطلقا لهم اليد في النهب والإفساد، ضامنا بذلك سكوتهم على فساد بطانته.
 ثم تكررت العملية حتى وصلت إلى ما يشبه العرف، ففي كل مقاطعة هناك قبائل تتقاسم مقاعد البرلمان بغرفتيه، وهي دولة بينها،  لا يستظل بقبته غيرها.
 وحين سقط العقيد انفرط عقد الحزب الناظم للقبائل، ولأن الأمر لم يكن سوى تغييب للرأس والنظام ما زال قائما، رشحت القبائل وجوهها المغبرة مستقلة بإيعاز من النظام، ففازت في الانتخابات، ثم التفت حول حزب الدولة الجديد، وغادرته حين تملص النظام من الرئيس المدني المنتخب، وشكلت الحزب القائم الآن، وها هي تتسرب منه بإيعاز من النظام لتتوزع على أحزابه.
 في كل ولايات موريتانيا تقريبا سجل التاريخ ولو مرة واحدة أن نائبا وصل إلى البرلمان من خارج عباءة النظام إلا ولاية الحوض الشرقي.
 وهو ما جعل تلك الولاية التي تتمتع بأكبر كتلة انتخابية تزيد على خمس من يحق لهم التصويت، وبها أكبر عدد من النواب (باتوا الآن 13 نائبا) تحافظ دائما على الوفاء للنظام القائم أيا يكن، ويحافظ النظام القائم لها أيضا على واجهة الحكومة، فتمثل منذ التسعينيات برئاسة الوزراء.
 ومن ينظر إلى الأمور بسطحية يرى ذلك إنجازا من النظام يقدمه لتلك الولاية، وحقيقة الأمر أن من تولوا صدارة الوزارة كان نفعهم للناس قبل توليها أكثر مما بعده.
 ولا يعلمون أن الإنجاز الأكبر للولاية بل لموريتانيا عموما هو تحريرها من ربقة القبلية المستحكمة في رقاب الناس وأصواتهم، تسوقهم سوقا إلى تأييد أعمى يبلغ أوجه قبل الانتخابات، نظرا لتلك الوعود المعسولة التي يوعد بها سادتهم وكبراؤهم، ثم ما يلبثون أن يجدوا السراب، حين ينجلي غبار الحملة الانتخابية.
 إن أكبر منة يمكن أن تحسب للنظام القائم - إن كان حقا مخلصا في اهتمامه بالولاية التي أقال ثلاثة من وزرائها بعد زيارة رئيسه الذي اعترف بتهميشهم وصفقوا له على ذلك، - هي أن يقيل كل الوجوه المألوفة لديهم والتي تتوارث المناصب تقسمها ضيزى بينها، ثم تختفي، فلا يراها من أوصلوها إلى ما هي عليه، إلا في الموسم الانتخابي المقبل.
 ولا توحي اللوائح المقدمة حتى الآن من أحزاب النظام أن شيئا تغير، ولا حتى بدت لذلك بوادر.
 إن فرصة الحوض الشرقي الوحيدة المتبقية هي توجيه ضربة موجعة للنظام من خلال إسقاط كل  وجوهه، وإيصال صوت الحوض المعارض أيا يكن حزبه إلى قبة البرلمان، حينها سيجد النظام نفسه مضطرا لإعادة النظر في سياساته الإقصائية، ويأخذ من الحوض الشرقي رئاسة الوزراء ويعطيهم مدارس ومستشفيات وجامعة ومشاريع تنموية.
 ثم إن ذلك "سيكسر الحشيشة" بين القبائل وبين المعارضة، وسيعرفون أن المعارضة ليست فضيحة، ولا تخرج من الملة ولا الوطنية.
 قد لا يكون ذلك الأمر سهلا في هذه الانتخابات فهي تخاض في ظروف لا يكتفنها الإجماع، والأحزاب المعارضة لا حضور يذكر لها في الحوض الشرقي، لأنها ببساطة أحزاب تقلد النظام في سياسته فتهمش من همش وتنافسه على الاهتمام بمن اهتم بهم.
ولكن إن كان من بين  الفائزين الثلاثة عشر نائب واحد معارض، فسيكون في البرلمان الذي يليه ثلاثة نواب، ثم ترتفع وتيرة المعارضة إلى النصف...

والفوق ذاك إجر النظرة..

ليست هناك تعليقات: