أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

زيارة النعمة: بين انقلاب.. وثورة!

بقلم: الحاج ولد المصطفي
في العام 2005م عندما كان معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع يعتزم زيارة ولاية مدينة النعمة في الخامس عشر من هذا الشهر كان الانقلاب الذي خطط له قائد حرسه الخاص العقيد محمد ولد عبد العزيز قد أصبح نافذا وجاءت رحلة ولد الطايع المفاجئة إلي المملكة العربية السعودية لتقديم واجب التعزية في وفاه العاهل السعودي لتعجل بالانقلاب قبل عودة الرئيس "المخلوع من حرسه وصحبه" وها هي اليوم ذات الزيارة المرتقبة في تاريخ مشابه تثير احتجاجات أبناء الولاية . فما هي العلاقة بين الزيارتين ؟ وبين الانقلاب على الزائر والثورة عليه؟
زيارة ولد الطايع لمدينة النعمة لم تحدث نتيجة إرادة الانقلابيين في إزاحته عن الحكم بزعم تخليص البلاد من مأزق كبير كانت تعيشه نتيجة سياسات الرجل التي أودت بالبلاد إلي حافة الانهيار الشامل في المجالات الاقتصادية والتنموية والسياسية والأخلاقية وقامت عدة محاولات للإطاحة بذلك النظام المتحالف وقتها مع الصهاينة أبرزها محاولات "فرسان التغير" المتلاحقة والتي كادت تعصف بأركان النظام وتؤسس لمرحلة جديدة من تاريخ الدولة الموريتانية ، لكن الأمور سارت في اتجاه إنقاذ النظام واستعادته لتوازنه رغم أنه عاش 48 ساعة خارج الحكم وفقد بعض دعائمه وشخصياته القوية وتحطمت ثقة الرئيس ببعض خلصائه فوجد متربصون بالنظام فرصتهم وانقضوا عليه قبل أن تتحقق الزيارة الكرنفالية المزمعة لبوابة البلاد الشرقية وحاضنة الشعبية الكبيرة والمؤمنة جدا حسب ما تقول له بطانته وحاشيته في الولاية .
زيارة ولد الطايع في 15 أغسطس لمدينة النعمة - المقررة وقتها - كانت نذير شؤم علي نظامه وبداية سقوط مدوي للرئيس وحزبه (ولو لبعض الوقت) وقد قام والي الولاية وقتها (والذي أصبح وزيرا للتوجيه الإسلامي في أول حكومة بعد الانقلاب) بجمع الأموال من المواطنين في جميع المقاطعات وهي غرامات معهودة لدي المواطنين كلما زارهم رئيس وقد بلغت تلك السنة أكثر من 70 مليونا نقدا بالإضافة إلي قطعان من الإبل والغنم والعطايا التي يبدوا أن جدلا دار حول ما فعله الوالي بها بعد سقوط النظام؟ وكيف أنه حمل جزءا منها لرأس النظام كعربون لتعيينه في الوزارة.
فقد المواطنون الضعفاء والمرتهنون لدي كل السلطات وقتها أموالهم التي هم في أمس الحاجة إليها وسقط نظام ولد الطايع وجاء نظام لم يعرف الناس في البداية زعيمه وقائده فقد أخفي العقيد الممسك بزمام الأمور نفسه خلف الأقرباء والأصدقاء ودخل المشهد متسللا من وراء كتائب ومجموعات يديرها ويخطط بواسطتها للوصول لرأس السلطة تدريجيا ،فتوالت مشاهد المسرحية الرديئة الإخراج التي أزاحت الستار عن العقيد وقد تقلد رتبة جنرال في أول مشاهدها ثم جاءت المشاهد متلاحقة مرة وهو ينقلب علي من قلده الرتبة العليا في الجيش ومرة وهو يستعد لدخول المشهد السياسي كمرشح لمنصب رئيس الجمهورية وهو لا يزال يرتدي البدلة العسكرية (6/6)، ثم يظهر الرجل في مشهد جديد من تلك المسرحية وقد دخل حوارا مع المعارضة من أجل التسوية السياسية وحل الأزمة في داكار ومن خلال كتيبة المدنيين المكلفة بذلك وانتهي الحوار بعد ضغوط قوية من حلفاء الرجل (فرنسا ،ليبيا ) وبدأت مرحلة جديدة أعلن فيها أن الجنرال الانقلابي أصبح الشخصية السياسية الأولي في البلاد والزعيم الأوحد الفائز في الانتخابات الديمقراطية "النزيهة والشفافة" ، صدق الناس أو لم يصدوا ..وأعترف الخصوم أو لم يعترفوا .... لقد كان ذلك مشهد من مشاهد مسرحية الانقلاب على ولد الطايع .
بدأت مرحلة جديدة قيل إنها مرحلة ولادة لما سمي ب"موريتانيا الجديدة" والتي سيحصل فيها كل ذي حق علي حقه وبالنسبة لولاية الحوض الشرقي أعطيت الوعود والعهود وأقصي من الواجهة (لبعض الوقت) رجال النظام السابق في محاولة للتحايل علي رأي المواطن وضميره وإقناعه بجدية هذه المرحلة ورفعت شعارات: (رئيس الفقراء ومحاربة الفساد والتنمية الشاملة في جميع المجالات) وكان نصيب مدينة النعمة وولاية الحوض الشرقي كبيرا من الآمال المعقودة علي تعهدات مرشح "موريتانيا الجديدة "بعد أن منحته الولاية أفضل النتائج بل أكثرها وضوحا وانحيازا، وقد تعهد الجنرال لسكان الولاية بما يلي:
1-     حل مشكلة العطش وإطلاق مشاريع استيراتيجية
2-     الطرق والمنشآت الصحية والمرافق العمومية
3-     الإشراك الحقيقي لأبناء الولاية في التعيينات
4-     الإعتناء بالثروة الحيوانية والرعي وبناء مختبرات بيطرية
لم يتحقق شيء يذكر في المجالات الحيوية منذ ثماني سنوات علي إنقلاب أغسطس ولم يعد أحد في الولاية يصدق تعهدات الرئيس وبدأ الحراك الثوري الجاري ضد التهميش والتلاعب بسكان الولاية في ظل الحديث عن زيارة مرتقبة في نفس التاريخ الذي أسقط فيه ولد عبد العزيز نفسه زيارة مماثلة لولد الطايع لمدينة النعمة .
إن الاحتجاجات ضد العطش وسياسات التهميش الشامل للمنطقة في وقت اعتمد فيه ولد عبد العزيز علي مستشارين لا تعرف الولاية سوي أنهم ولدوا علي أرضها ومنحتهم التربية والرعاية في الصغر ثم هجروها في الكبر وتفرقوا لشؤونهم في بلجيكا (الوزير الأول) والإمارات (مدير الديوان) وهم ليسوا ممن عايشوا الأوضاع المزرية والصراعات المريرة مع الأنظمة المتعاقبة التي عانت منها الولاية وخاضها بعض من همشهم النظام واعتمد علي رجال استجلبهم من خارج البلاد لصياغة سياسته في المنطقة شأنهم شأن علاقته هو نفسه بالبلاد كلها والتي لم يعش فيها إلا من خلال منازل تفرغ زين الفخمة وحياة البذخ البعيدة عن واقع الفقر والمعاناة في ربوع الوطن.


ليست هناك تعليقات: