أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

إخواني من الآن

بقلم: محمد أحيد سيد محمد
محظريا بدأت حياتي صغيرا في قرية آكوينيت بولاية الحوض الشرقي ، ارتويت كثيرا من معين القرآن الكريم حتى تسربت آياته في مسامات جلدي تماما كما كانت تتسرب مياه ذلك السد القابع في ضواحيه ، كبرت قليلا وبدأت أكتشف التفكير الناصري على يد مؤطرين هم في الغالب من الأخوة والأقارب ، كانوا يعلمونني معنى الحرية والاشتراكية والوحدة في فترة كانت فيها قرية آكوينيت مسرحا لتصادم تياري التفكير القومي: الناصري والبعثي بحيث لا يخيل إلى زائرها إلا أنها مدينة مؤثرة فكريا وثقافيا في العالم العربي، فمخزون الكتب هائل ورصيد القناعات متجذر حتى بين النساء والأطفال ممن لا يملكون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، نجحت في مسابقات دخول السنة الأولى إعدادية وشددت الرحال إلى مدينة النعمة 
حيث ركبت السيارة لأول مرة وبدأت أتعرف على عوالم المدن ، هناك انخرطت في حزب التحالف الشعبي التقدمي وكنت يومها أصغر مناضل وشاعر يتباهون به في المهرجانات رغم أنني لم أكن إذ ذاك أعي ما أقول ،تقدمت في الدراسة قليلا وبدأت أبتعد عن التحالف وأزهد فيه وأتفرغ للأدب والشعر وعوالم المراهقة ،ثم انتقلت إلى مدينة أبي تلميت ولم يطرأ أي تغيير على موقفي في الزهد في السياسة ، كنت إبان هذه الفترة أعارض نظام العقيد ولد الطايع لكن دون الانخراط في حزب سياسي بشكل منتظم ونحجت في الباكلوريا ودخلت الجامعة ونشطت في النضال الطلابي بعد أن انتظمت في حزب تكتل القوى الديموقراطية الوليد إذ ذاك ،كنت عضوا مؤسسا في اتحاد الطلاب الموريتانيين وكنت لسان شعره الصادح مع كثير من الزملاء متعدد التوجهات والخلفيات الإيديولوجية ،فمن البعثيين إلى الناصريين إلى الإخوان ثم اليساريين : كنت بين هذ التيارات كالغريب حيث لا يقنعني أي من طروحها بشكل كاف يجعلني أنخرط فيه بكل ثقلي غير أني مع ذلك كنت أتأرجح بين التيار الناصري وبين الإخوان ، كنت أحس في أعماقي أن اللحظتين الأوليين في حياتي لا زالتا تتحكمان في توجيه بوصلتي فالخلفية الدينية المحظرية تجذبني إلى الإخوان وتقربني لنشاطاتهم الدعوية والخدمية ،والخلفية الناصرية تجذبني إلى التيار الناصري رغم ضبابية الطرح وهشاشة المنطلقات، سمح لي هذا الموقف المتربص إن صح التعبير بنسج شبكة من العلاقات مع الكثير من الشباب على اختلاف في الخلفيات والطروح، وكانت علاقتي بهم في الغالب علاقة حسنة لاتشوبها شائبة من عداء ، بدأت تدريجيا قبل التخرج بقليل أنفصل عن حزب التكتل وأقتنع بعدم جدوائية الأحزاب الشخصية دون أن أستقيل منه بشكل نهائي ، كانت معارضتي لولد الطايع تقربني من كل معارض سواءا كانت خلفيته، لذلك نافحت بشعري عن ضحايا اعتقالاته وظلمه ونال المعتقلون الإسلاميون في ذلك نصيب الأسد ،حيث كنت أحضر بشكل منتظم الأماسي النضالية السرية تارة والعلنية تارة أخرى بكل قناعة وحماس إلى أن حدثت حركة فرسان التغيير فانخرطت مباشرة في الجناح المدني لها رغم عدم وجود التنسيق المباشر ، وحين تأسس حزب حاتم كنت من أول المنخرطين فيه والمناضلين في صفوفه لأنني كنت أعتقد أن تلك الزمرة من الشباب المضحي هي وحدها الكفيلة بفرض التغيير في موريتانيا، وحين نحجت المخابرات في تفكيك الفرسان وتصديع لحمة حاتم لم تنجح في إقناعي بالانسحاب منه لما لمست في رئيسه السيد :صالح ولد حنن من الإيمان والصدق ونقاء الضمير ، تقلص أملي في مستقبل الحزب في ظل اللكمات المتتالية التي وجهتها له أحهزة مخابرات النظام لكنني لم أستقل منه إلا منذ أقل من عام.
كنت طوال هذا العمر السياسي الملون أساسا بلون المعارضة أبني مواقفي على مبدإ واحد هو مبدأ القناعة الذاتية وعدم احترام قرارات الأحزاب التي أنمتي إليها عندما تخالف وجهة نظري فأصوت مثلا للمرشح الذي يقنعني حتى ولو كان الحزب الذي أنتمي إليه يرشح آخر ،وكان لمرشحي التيار الإسلامي نصيب الأسد دائما في خرجاتي على القانون الحزبي حيث كنت أصوت لهم غالبا دون من ولا أذى.
كنت أتابع الساحة السياسة العربية والإسلامية وأتعاطف في الغالب ـ خاصة في السنوات الأخيرة ـ مع من يسمى غربيا بالإرهابيين، لقد كنت أقتنع تمام الاقتناع أن منهج المجاهد أسامه بن لادن هو الأسلم للتعاطي مع المرحلة ، لكن منهج الإخوان المسلمين في مصر وتركيا كان ينال حظوة عندي في الطرح وطول النفس وسلمية النضال وهكذا الحال بالنسبة لي مع كل التيارات ذات الخلفية الإسلامية بما فيها إخوان موريتانيا ، لقد كنت آخذ من منهج هؤلاء وأرد ، أعرف فيه وأنكر ، أتفق معه حينا وأختلف أحيانا أخرى ، غير أنني كنت أصوت له في الغالب ـ كما سبق ـ دون أن أنسق معهم في ذلك ولا أشعرهم به حتى...
اليوم وبعدما تكشفت الخفايا واتضحت القضايا وانفضحت النوايا وانقسم العالم العربي إلى فسطاطين لا ثالث لهما هما : الإخوان في طرف والرجعيون والعلمانيون والقوميون واللبراليون والملحدون قررت أن ألتحق بالإخوان وأعلنها صراحة دون مواربة : أنا إخواني عالمي حيث ما كنت في العالم فقرار الإخوان ينطبق علي لأنني بكل بساطة لا أرضى أن أكون في الطرف الآخر للمعادلة.
فشكرا لمصر لأنها أهدتني هذا التغير الجوهري في حياتي وبصرتني بما يجب أن أكون عليه.


ليست هناك تعليقات: