أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

عذاب العطش


بقلم: حدامي ولد محمد يحي
حقي وحقك ، كلمة لطالما لاكتها الألسن ، وصمت الآذان ... بين مدع لحق مضيع، ومتربص بحق لآخر عض عليه بالنواجذ ، وتبرأ من صاحبه ، قائلا له الكلمة المشهورة :{لو خرجت من جلدك ما عرفتك}.

 في وطني الحبيب ضاعت الحقوق ، واستبدل الضياع بالضياع ، والاستبداد بالاستبداد ، والانقلاب بالانقلاب ، والعسكر بالعسكر ، والتصحيح بالتصحيح ، مثلا بمثل يدا بيد .
ظن المواطن المسكين التحرر من الاحتلال الأجنبي ، فبزغ فجر الاستبداد ينذر "بعبودية حديثة " يكون فيها المواطن فريسة لأنظمة تشابهت في الألوان ، وتشابهت في حب المنصب والكرسي والقصر ، شعارها : "نبقى وكفى " .
وأضحى المواطن المسكين مراودا من طرف أنظمة مستبدة ...فقد قميصه من دبر.
وتمضي السنون والوطن على حاله ، تتغير الدنيا من حولنا ، ونحن في كهفنا المظلم نيام ، ضرب على آذاننا في الكهف سنين عددا ....سيقولون ثلاثة ملايين ورابعهم نظامهم ...أو يقولون خمسة وسادسهم عسكرهم ...قل الله أعلم .
لكل نظام وعد ، و ما وفى به ، ولكل حاكم مشروع وما نفذه ، هل أتاك نبؤ التنمية التي تذكر في كل ناد ؟ وأبدع فيها الحاكم وما أجاد ؟ 
حين يفقد المواطن كل الحقوق من "تعليم " وصحة " ومشرب " يحدثك البلاط عن إبداع وعن حداثة في الحكم ستكون جنة خضراء ، وأحسبها جنة الدجال التي هي نار ..
لكل مواطن دمع، ، يعبر عن مأساته بلسان دمعه الذي لا يكتم ، كدمع العباس بن الاحنف :
نم دمعي فليس يكتم شيئا ** ورأيت اللسان ذا كتمان
والمواطنون منقسمون ، فمنهم السابق للحاكم بغض عن النظر عن مشروعه ، أو فكره ، يتحسس جدران القصر ، فإذا سمع صوتا قال :"لبيك " لا يهمه واقع الحاكم ولا مكانه ، ديدنه كديدن القائل:
إن تدعي نجد ندعه ومن به وإن تسكني نجد فيا حبذا نجد
ومنهم المقتصد ...ومنهم الظالم لنفسه المعارض الذي كفر بمشروع العسكر وسلطة العصى ، ويمم وجهه شطر الشوارع ، يحمل هتافات أكل عليها الدهر وشرب ، حسب تحليل النظام "الإرثي".
ويحتج أصحاب الهتافات .......... "الاستبداد" ، "الفساد" ، "فساد التعليم " ، " الصحة " ، "الماء" ....والماء هو الحياة ...فما أفظع عذاب شعب أعزل هكذا .....يهتف أحيانا يشكو العطش.
إنه عذاب الأنظمة المستبدة التي سنت قوانين "التجهيل " والتهميش " والنسيان " للشعوب المغلوب على أمرها..
وفي هذه الأسطر أردت أن أحدثك عن "عذاب العطش" الذي يحسبه البلاط رحمة
فعذاب العطش لم تنج منه مدينة موريتانية على سبيل العموم .
وكان لمدينة "جكني " النصيب الأكبر والحظ الأوفر منه ، إذ سئمت العطش ، وأرسلت رسائله بلغات مختلفة لم تفهمها الأنظمة المتوارثة للحكم ، ولعل الرسائل أحرقت أو أغرقت.                              
جفت الآبار، وأدلى المسكين دلوه ...وغيض الماء ، يقلب طرفه وسط (مدينة – مقاطعة) يلتبس عليه المفهوم بمفهوم الحي القديم "لفريق" الذي عهده ، حين كان يحمل القرب على "الأتان أو الجمل" ...وحلم بحياة جديدة انقلبت إلى عذاب لا مخلص منه ...يهتف بعطشه ولا منقذ.  
ففي كل عام للمدينة موعد مع "العطش" ...موعد مع المسيرات عسى أن يأتي الفرج ...ووعود الحاكم ما هي إلا وعود بالعطش نفسه الذي لا يفارق ساكنة المدينة المهمشة والمعزولة.
ليكون دواء العطش :داء العطش ...وإن تظاهر غيور على الواقع المزري قالوا :"يصطاد في الماء العكر" وحبذ الماء.
أرسل إليهم الحاكم زمرته في حملاته ، فسمعنا كلامهم المعسول ووعدوا بعيشة هنية ..."تلك أمانيهم"...واليوم "هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا".
فتأمل معي أخي القارئ "مأساة العطش" في دولة مدنية حديثة ، تملك ثروات هائلة ، عجزت عن توفير المياه لآلاف من الناس ، عمروا تلك القطعة الأرضية الشاسعة ، والنائية عن العاصمة انواكشوط ، 1000كم ، ترسل رسائل العطش ، وبدون ردود.
لا ولم ولن أفهم العطش ، ولست مستعدا لفهم الظلم والحيف من طرف أنظمة كهذه ، تصاغر في عينها المحكوم ، فلا يستحق سوى التجاهل ، والقتل البطيء ، ولو بالعطش.
مضى عهد معاوية ، ومضى عهد العسكر ، وفتحت موريتانيا صفحتها الجديدة ، وبقيت المدينة على حالها تراوح مكانها ، ربما لا تستحق الاهتمام من الجهات المعنية ، تخيل..
حديث الشارع ، وحديث الهاتف ...عطش ...عهدناه ، يقولون وبعد اتصالي بهم هاتفيا (ألا تسنصر لنا ؟) ...فصبر جميل.
وما يقطع القلب ألما وكمدا "الفقراء" الذين لا يملكون نقودا لشراء "برميل من الماء" ، ولا يسألون ...تحسبهم أغنياء من التعفف ، والمسكينة تطرق مليا ...ولا ملجأ إلا الله.

ليست هناك تعليقات: