أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

وشاح تنشر مذكرات أعماقي


مذكرات أعماقي ..
يكتبها: أبو ياسين
الحلقة الثالثة
بين يدي كلمات الرئيس ازداد صوت النشيد الأعماقي... وتسارع الايقاع واهتز الكل طربا. فنحن الأعماقيون نتتلمذ على الغزالي ونبايع الشوكاني ويصدق علينا وصف ابن خلدون للزنوج إذا تعلق الأمر بأزوان ... بالطرب عموما ...

من بين الأناشيد التي نمجد بها فخامة القيادة الوطنية ـ وهو نشيد قابل للتعديل والحذف والإضافة مع كل رئيس جديد (فكل قول قول يؤخذ منه ويرد إلا قول صاحب القبر صلى الله عليه وسلم) ـ تفلواتن من لبيتيت التام يقول بعضها:
معاوي زين بمعناه / هو يالناس الغشميين
معاه الل والحك معاه/ ومعاه الموريتانيين
كنا قبلها ـ وما زال أغلبنا ـ نتصور أن "استغلال" الدين حكر على أهل المعارضة كما يسميهم أبوشامة .. غير أننا لم نجد من يستنكر تكرار: أن أبا شامة "معاه الله"..
ثم كشفت لنا لاحقات الليالي أن لمْلمْ ما ينحلف عليه.. وأن الدين يسر والشريعة رحبة وتسع الجميع ولم تعد حكرا على المعارضة.. فالبعض يستغل طباعة المصاحف وبناء المساجد حتى ولو لم يتم ذلك .. وهو المشهور عن مذهب القطب الرباني والهيكل الصمداني والقنديل النوراني شيخ المشايخ العارف أبي بدر المالكي الأشعري الجنيدي قدس الله سره..
صعد الرئيس أبو شامة المنصة "شفناه بشكل مباشر .. شفنا الرئيس .. إنه يتكلم يحرك أيديه .. لابس دراعة بيظه.. لكنه كثير التعتعات .." كانت تلك تعليقات بعضنا خلسة.
هيه ويلكم من صانادره .. زجرتنا سيدة في ادحميس من عمرها.. كانت واثقة من نفسها، وخبرتها في اصنادره.. كانت تحمل صكا مفتوحا أو فتحته خاسره.. كانت شاحبة نتيجة الحر، ونتيجة الجهد الذي بذلت لتشجيع كتائب قبيلتها وألويتهم خيالة وجمالة.
يبدو أنها كانت تعرف ما لم نعرف .. وهو أن الرئيس صندري، وأن صنادره خطيرين أيضا ..
نحن بينا استيشير لم نكن نظن أن الرئيس يمكن أن يكون صندري .. ولا تظنوا أننا نحسبه مدنيا أو منتخبا فلا نفهم كل ذلك أصلا. إنما كنا نخاله أكبر من أن يكون صندري ولا نفهم لماذا.
الرئيس تلك في الذهنية الأعماقية هو شيء (هيشاي) جميل وطويل وأبيض وخطير (حتى لم لم يكن). إنه بطرون ومحروس لا يمكن أن ينطق أحد اسمه مجردا. لكن المشكله أنه لا يمكن الكناية عنه ب هو ـ مثلاـ أو بوكم أو الراجل !
لقد قال لنا في سمر طفولي ذات ليلة ونحن في البادية شاب أكبر منا بسنوات وسبق أن سافر إلى عدل بكرو أن الرئيس هو أسْوقْ (من السياقة) مَـن على وجه الأرض، حيث يستطيع أن يوخظ لا ندروفير قديمة من البطحاء دون البوس. كان ذلك كافي لزراعة شخصية اسطورية للرئيس في أذهاننا إلى الأبد!
اصنادره بالنسبة لنا هم أؤلئك الذين يقولون هبْ عيْ هب عيْ عبْ عبْ .. وهو أقوياء شجعان يضربون الكديه كل يوم بالمدافع الثقيلة .. (وقال لنا البعض أن تلك ليست مدافع إنما هي الشديد .. مثل الذي نحفر به الحسيان) ولا وقت لهم لادراريع البيظ والنشيد.
كان بيننا في الأعماق وبين اصنادره علاقة جميلة جدا .. خصوصا في الثمانينات (وخاصة بدايتها) . كنا نقدسهم . فهم يأتوننا في القرى الريفية يقسمون علينا الحص أو الاسعاف كما يسميه أهل الدشره. كنا نخاف أن نصافحهم أو نقترب منهم، وإن ابتسم أحدهم في وجوهنا تطيح لنا من السماء.
كانوا كذلك يساعدون في نظافة القرى والمدن. ورغم خشونتهم وقوتهم وخوفنا منهم، كانوا لطيفين معنا فقد كنا نقسم أفراد الخيمة الواحدة إلى خيمتين وثلاثة .. فنقول مثلا إن فلان وفلانة (أشقاء) هم أزواج ونعيطهم انبار .. ليكونوا عائلة مستلقة تحصى وحدها، وتحصل عى نصيبها من الحص (الاسعاف) .. وأحيانا يعرو طفل أو عزبه من عند جيرانهم (أبوْ).
كان اصنادره يفطنوا لنا أحيانا ويتسامحون .. إذن هم معلومين...
لما بدأ الرئيس خطابه .. بدأنا نستعد للتصفيق التلقائي المكثف.. كانت حركات فطرية غير متكلفة من طرف جميع الجماهير .. وحدهم أهل المنصة من الرموز كانوا يعرفون أن للتصفيق ثمنا .. أما نحن فكنا نعتبره واجبا وطنيا وحقا طبيعيا لكل فرد أن يصفق للرئيس.... كان أيضا يعبر إلى حد كبير عن "درجتْ" القبيلة ورفعتها وقدرتها على منافسة القبايل.
الدولة تتيح لنا الآن فرصة نادرة (التصفيق للرئيس بشكل مباشر نظريا).
هنالك من يضع تصفيقنا في ميزانه عند الرئيس من حيث لا نشعر....
يتتابع..

ليست هناك تعليقات: