أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

"ثانوية جكني" بين مطرقة تجاهل الإدارة وسندان إهمال الساسة


بقلم عبد الله ولد اطول عمر
حق لي أن أذرف الدمع على فقدان من حضنتني يوما جدرانها ، وآوتني شابا يافعا ، كنت أبحث عن العلم في مرا بعه وأستقيه من منابعه ...
حق لي أن أحترق أسى، وأتحسر ألما وجوى على من جمعتني يوما برفقة من الطلبة الموهوبين، كنا نتعاطى الثقافة ونتهادى بعض فلتات الإبداع الأدبي وكل قبسة تخطر بخلدنا من الوعي التنويري.
حق لي أن أستدعي تلك الذكريات الجميلة التي عشتها مع أساتذة مربين كانت لهم اليد الطولي في تكوين شخصيتي وترسيمها ، وزملاء كانوا لي سندا وردءا وملهمين في مسيرتي الدراسية ...
حق لي أن أسطر بكلمات من سويداء قلبي هذه اللحظات التي تحتضر فيها أحب ثانوية إلى قلبي ، وتدفن فيها أجمل ذكريات في حياتي.

دهشت وشدهت وأنا أدور بعيني فلم أر تلك المؤسسة التي كانت ولم أر ؤلائك الطلاب الذين كنا. فارتأيت أن أرسم للقارئ صورة هذا النعش إجمالا لا تفصيلا، ابتداء بالطلاب ومرورا بالطاقم التدريسي وانتهاء برابطة آباء التلاميذ.
 أولا: الطلاب الكم والكيف
يبلغ عدد طلاب ثانوية جكنى ما يربو على خمسمائة طالب ، يتوزعون على إحدى عشر فصلا يمثل اثنان منها المستوى الثانوي الذي يقتصر على شعبة العلوم الطبيعة.
لفت انتباهي وأنا أزور هذه الثانوية كثافة الطالبات بالمقارنة إلى عدد الطلاب، ويعزى ذالك ـ في اعتقادي ـ إلى عامل رئيسي هو هجرة الطلاب الذكور المتواصلة إلى العاصمة والولايات الداخلية ، بحثا عن تخصصاتهم العلمية في الغالب وسعيا للحصول على شهادة الباكولوريا التى ظلت بعيدة المنال وأصبحت مناط الثريا من الطالب في هذه الثانوية لأسباب سأذكرها لاحقا.
و لا يفوتني هنا أن أشير إلى أن الغلبة العددية للإناث في المؤسسة لا تنم عن نهضة علمية نسائية في المقاطعة حيث أن تعليم الفتيات في مقاطعتنا لازال هشا وهامشيا ، فالفتاة مهمشة لا يراد لها أن تتعلم أو أن تواصل دراستها في الخارج ، فهي سجينة المنزل قابعة وراء جدرانه و لاشك أن قيود المجتمع وأغلاله كانت سببا كبيرا في هذا ، غير أننا لا نستطيع أن نهمل سببا آخر هو تدني الوعي وارتفاع مستوى الفوضى والإهمال والكسل الذاتي لدي الفتاة نفسها.
أما عن المستويات المعرفية للطلاب بشكل عام بهذه الثانوية ، فيمكننا أن نقول أن هجرة الأدمغة والمواهب الطلابية أثرت تأثيرا بالغا في هذه المستويات إلا أن هناك طلابا متميزين أصحاب مواهب أصيبوا بالإحباط وداء الكسل جراء ترهل النظام التربوي ، والإهمال المتواصل من الجهات القائمة عليه .
ثانيا:الطاقم التدريسي
يبلغ عدد الأساتذة الإجمالي في ثانوية جكني تسعة عشر أستاذا ، أربعة منهم رسميون وواحد متعاقد يدرسون التخصص العلمي ، والباقي رسميون أيضا يدرسون التخصصات الأدبية..وتجدر الإشارة إلي أن التخصص الرياضي لا يدرس في ثانويتنا ، ويرجع ذالك إلي عدم وجود أساتذة يدرسونه ، مما أدى لسريان العدوى إلي التخصصات العلمية الأخرى فأغلق باكولوريا العلوم الطبيعية نهائيا وتلاه إغلاق باكولوريا الآداب العصرية ، فكانت الطامة الكبرى.
ترى هل يجوز إداريا أن ننزع  تسمية "الثانوية"عن هذه المؤسسة لتعود إلي تسميتها الأولى "الإعدادية"؟!
إذا علمنا أن الإدارة تركز أساسا على النجاح الكمي على حساب الكيف .
ثالثا:رابطة آباء التلاميذ
"أسمع جعجعة ولا أرى طحنا" يتجسد هذا المثل العربي في هذه الرابطة بما للكلمة من معنى ،حيث الشخوص والخشبة ،غير أن الدور معطل ، فلا هي تعي الدور المنوط  بها ولا هي تكترث لواجباتها تجاه أبنائها وجيل الغد الواعد. فقد تنازلت عن مسؤولياتها لتلغي الحبل على الغارب للإدارة.
رحماك يا رب لثانوية تجاهلتها الجهات الإدارية المعنية بشأنها وتناستها نخبتها من ساسة وناشطين في المجتمع المدني وخذلها طلابها بصمتهم المطبق.
فعلى مثل هذه الحال يموت القلب من كمد، إن كان في القلب ذرة من نضال ووعي بالحقوق والواجبات.
                                           
  عبد الله ولد إطول عمرو

ليست هناك تعليقات: