أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

كدروه النعمة ومأساة سكان "إيديلبا" والأحياء المجاورة



كتبه: أحمدو ولد محمد عبد الله
لم يصدق سكان مدينة النعمة المنسية أن الأقدار ساقت إليهم رئيسا على رأس منجزاته بناء الطرق... ودقت المدينة طبولها التقليدية "دكداكه" استبشارا بخبر طريق النعمة المعبد "كدروه" الذي سيوسع شوارعها الضيقة, ويجعلها مدينة متحضرة ,,, أقبل الجيران يهنئون بعضهم البعض على هذا الحدث التاريخي ... فمدينتهم ستشهد شبكة طرق حضرية بعد أن غابت عن أذهان الرؤساء  منذ عهد المختار رحمة الله عليه، الذي أسس طريق الأمل الرابط بين النعمة ونواكشوط رغم أن الدولة الناشئة حينها لم تكن تمللك من الإمكانيات ما تملكه اليوم..


بدأ العمل في الطريق مع العطلة الصيفية لعام 2010م .. وجاءت الجارفات أو الجرافتان على الأصح، وبدأ العمل بطريق النعمة الداخلي في الحي الغربي  للمدينة .. وبدت  القضية في الوهلة الأولى حلما جميلا يتحقق لسكان النعمة.. كنت - وأنا طالب جامعي  بسيط- أمازح  والدتي قائلا:" لن آتيكم في العطلة المقبلة إلا بسيارة خاصة"... وتحمل السكان صوت الجرافات المزعج وغبارها الطريق الذي  طلى منازلهم وأجسامهم باللون الرمادي الداكن... لكن الطامة كانت حينما امتدد الطريق شرقا ليقترب من الحي القديم "إيدلبا" وبدأ الحديث عن ضرورة تهديم المنازل لتوسيع الطريق. وحددت شركة البناء  المنازل المطلة على الشارع" الرسمي" التي سيتم تدمير بعضها أو كلها... وجاء في البلاغ الذي لم يذع في وسائل الإعلام أن: "على كل مواطن تم تحديد داره أن يهدمها بيده كي يستفيد من طينها وحجارتها في أجل أقصاه كذا وكذا، وإن انقضى الأجل ولم يفعل سوينا داره بالأرض ولن نترك له فرصة لأخذ الطين والحجارة...ولن نعوض لمن هد بيته ولو أتى لإثبات ملكيته بحجة إبراهيم، ووثائق ويكلكس.. "
وجاء موعد الهدم وانقضى الأجل المسمى.. واجتمع على المواطنين صيف النعمة الحار وأصوات الجارفات تنفذ وعيد الشركة.. وبالفعل هدمت كل بيت اعترض طريقها... وعض الناس على أصابعهم وكظموا غيظهم، وقال قائل منهم كل ذالك يهون في سبيل تعبيد الطرق.. وكان حظ البعض أوفر من بعض فمن المواطنين من ذهبت داره  كلها ضحية، ومنهم من فقد متاجره، ومنهم من بقي له من الدار نصفها.. وكان في أعظمهم مصيبة عزاء لمن دونه... ورضي الشعب المغلوب على أمره بقضاء الله وقدره.. ولا تعويض ولا هم يحزنون.
 وفي خضم العمل نسي أو تناسى المهندسون أعدى أعداء الطرق المعبدة "كدروه" ألا وهو الماء.. ذكر لي أحد أكبر المهندسين المعماريين أن خبيرا أجنبيا بالطرق قال: "إن أعداء كدروه ثلاثة: الماء والماء والماء".. وهي معلومة على  بساطتها غابت عن أذهان المشرفين على مشروع "كدروه النعمة"، رغم أن كل سائق تاكسي في نواكشوط يعرفها.. وبدأوا بأعمال الطريق "كدروه" وسط طريق المياه "بطحاء النعمة الوسطى"، المحاذية للحي القديم "إيدلبا"...
 ومن المعلوم جغرافيا أن مدينة النعمة تشتهر ببطحائها الكبيرة وبطحاء أخرى متوسطة  تمر بمحاذاة الحي التاريخي "إيدلبا" والسوق المركزي شمالا ثم تلتقي مع بطحاء النعمة الكبيرة غربا..
بدأ عمال الطريق المعبد يصبون الحجارة والطين في وسط بطحاء النعمة " المتوسطة " حتى ارتفع الطريق عن مستوى المنازل بعد أن كانت المنازل مرتفعة عن الطريق... مما سيحدث كارثة مع سقوط الأمطار..
جئت إلى المدينة قبيل رمضان الماضي قادما من نواكشوط وكدت أضل طريقي في المدينة التي عرفتها كما عرفت خطوط يدي، بسبب التغير الكبير الذي حدث في حينا المجاور للحي القديم "إيديلبا".. وجاء رمضان بنفحاته الروحانية.. وجاء معه الخريف وأمطاره..
 وفي أول ليلة من ليالي الخريف الماطرة استيقظ الناس على أصوات الصراخ ونداءات لاستغاثة من عائلات حاصرتها المياه داخل منازلهم.. ولولا لطف الله وحده لغرق الكثير من المواطنين، إذ كان تساقط المطر برحمة الله قبيل وقت السحور وقد استعد الصائمون للسحور... ودخلت المياه كل المنازل القريبة من الحي القديم "إيدلبا" والمطلة على البطحاء الوسطى سابقا التي أصبحت مملوءة طينا وحجارة.. أجل غمرت المياه عشرات المنازل لما وجدت مجرى طريقها التقليدية سد أمامها..
في السابق عندما كان يأتي الخريف تتزين بطحاء النعمة الوسطى  وتغدوا جميلة نظيفة وساحة مرح للأطفال.. واليوم أصبحت ردما بفعل كدروه، ووبالا على المواطنين الذين تسربت المياه من تحت ما تبقى من منازلهم بعد الهدم من أجل الطريق المعبدة،
ولعله من تفضل الله على سكان النعمة أن كان خريفهم قليل الأمطار من حيث الكمية والفترة.. ورغم ذلك فقد قضى سكان الأحياء المجاورة لحي "إيدلبا" خريفهم وهم يحملون الفؤوس والآنية، يفرغون منازلهم من مياه الأمطار ويسهلون لها طريقا إلى الشارع,، كلما هطلت أبسط كمية من المطر..
هجر البعض منازلهم باحثين عن مساكن لهم بعيد عن طريق المياه.. وشردت أسر ضعيفة لم يكن لها سوى مأواها الذي غمرته المياه..
ورغم شكاوى الأهالي واجتماعاتهم المتكررة مع الوالي والحاكم ووعود بالتعويض وتغيير مسار الطريق المعبدة عن البطحاء الوسطى، أو إقامة مجاري مياه بجانب الطريق تمنع دخول المياه إلى المنازل.. إلا أن مواعيد عرقوب كانت أوفى من تلك الوعود.. ولم يتغير شيء بل لا زالت الأمور على حالها.
خلاصة الأمر أن المواطنين لم يحصلوا إلا على تهديم المنازل دون تعويض، وقطع التيار الكهربائي، وردم البطاح الجميلة، وتهجير السكان.. كل هذا في سبيل طريق كل الدلائل تشير على فشله وأنه لن يصمد أمام أول زخة مطر تشهدها المدينة، وستجرفه أو تجرف ما تبقى من منازل المواطنين المطلة على البطحاء الوسطى "سابقا".... 
فأيهما أولى بالبقاء يا أولى الألباب..

ليست هناك تعليقات: