أنباءالحوض الشرقي.. أخبــار الشرق الموريتاني بين يديك

جكني .. والجنرال.. وثورة العطش، وخطة أمل؟


أحمد سالم ولد يب خوي
تعود بي الذاكرة قليلا إلى الوراء لأتذكر أياما كانت موريتانيا تعيش فيها حلم الديمقراطية أيام كانت تحكم من قبل رئيس مدني منتخب من قبل الشعب، كم أتمنى لو استمر الأمر على ما كان عليه، في تلك الأيام، رغم خروج سكان مقاطعة جكني حينها ضد ارتفاع الأسعار  وذلك في عهد سيد محمد ولد الشيخ عبد الله كان لخروج سكان المقاطعة الحدودية وقع على النظام ،خاصة أن في النظام من كان يتحين  أبسط الفرص لكي يستغلها ضد الرئيس الذي منحه ثقة مطلقة، تاركا له زمام المؤسسة العسكرية والأمنية، حينها استخدم أعداء الديمقراطية القوة ضد سكان المدينة، فاعتقلوا وضربوا وشردوا، ثم استغلوا الوضع من الناحية السياسية لنشهد حينها ما عرف بثورة الجياع التي كانت بداية سقوط الرئيس المنتخب.

 لن أطيل كثيرا في سرد وقائع يعلمها الجميع أكثر مني، إن كانت توجد ذاكرة ، لكن المقاطعة النائية تعود إلى واجهة الأحداث من جديد فبعد عدة اعتصامات أمام القصر الرئاسي قادها أبناء المدينة رفعوا خلالها مطالب عادلة ومشروعة، تمثلت في رفع العزلة عن المدينة وتزويدها بالماء الصالح للشرب، لم يحرك النظام ساكنا بل تجاهل المعتصمين، وكان رد سكان المقاطعة حاسما وسريعا، حيث استغلوا وصول والي ولاية الحوض الشرقي إلى المقاطعة بصحبة مستشار الوزير الأول، واللذين رفضا استقبالهم بحجة أنهم جاؤوا من أجل برنامج أمل، ولا يعنيهم عطش المدينة في شيء، فحاصروا الوفد لساعات داخل وكره ليعي أنه في حضرة سكان مدينة جكني، التي خرجت من رحم النضال وستبقى شعلته إلى الأبد، انتهت الواقعة بخضوع الوفد لشروط المعتصمين، فاستقبل ممثليهم الذين حملوه رسالة وصل صداها القصر قبل خروج الوفد من مقر حاكم المقاطعة، لكن ما هو صدى الرسالة على المستوى الوطني؟
 ساعات بعد مغادرة الوفد للمدينة شباب عاطلون عن العمل يقتحمون القصر الرئاسي ويعتصمون بداخله والتسريبات الأولية ليوم الثالث من إبريل تقول بأنه سيكون يوما لمحاصرة مباني مقاطعات انواكشوط، مما لاشك فيه أنه سيكون ليوم جكني ما بعده، كما كان لخروج سكانه الأول ما بعده، اللهم إذا فهم الجنرال اللعبة وما أصعبها عليه، وقام بخطوات جريئة تساهم في حل المشاكل الاجتماعية المتصاعدة، والتي على رأسها ما بات يعرف بأيام العطش التي لم تقتصر على مدينة واحدة داخل التراب الوطني بقدر ما أصبحت جزءا من حيات المواطنين المنهكين عطشا وجوعا.
 ولكي أكون صريحا مع القارئ الكريم، أقول بأن سقوط النظام ليس هدفا بالنسبة لي ،لكن الواقع الاجتماعي الصعب أملى علي كتابة هذه السطور، خاصة أنني أعي حجم المعاناة المعاشة في الداخل، فالقوم كانوا يعتمدون على الزراعة  وثروة حيوانية باتت قاب قوسين أو أدنى من الاندثار، بعد سنوات عجاف أتت على الأخضر واليابس، لكن المحير في الأمر هو لما ذا لم يسعى النظام إلى التدخل بشكل جاد من أجل إنقاذ ما تبقى من الثروة التي كانت تؤمن متطلبات المجتمع من مادة اللحوم التي تعد جزءا أساسيا من استهلاك الموريتانيين، كانت مواجهة الكارثة، كارثة بامتياز، إذ خلفت صدمة في النفوس، فالعارف بأحوال المنطقة يرى المأساة تكبر شيئا فشيئا بفعل وعود كاذبة ، جعلت عددا كبيرا من المنمين يتأخرون في مغادرة مناطقهم، لكن الأمل تبدد بعد أنجبت الوعود ما بات يعرف لدى السكان بخطة ألم والتي لم يظهر حتى الآن ألمها بشكل كامل خاصة أنها ولدت سخطا كبيرا لدى السكان الذين باتوا بين مطرقة الوعود وسندان الأحداث في مالي، لكن النظام في نوم عميق عن ما هو معاش في الداخل، مشتغل بالسياسة، فهمه الوحيد ما يقوله خصومه السياسيين الذين يخدمهم، عدم مبالاته بواقع المواطنين، فكل من يرفع مطالب شرعية هو في عين النظام من المعارضة، فلماذا لا يخدم النظام مواطنيه ويكون بذلك خادما لنفسه ساحب البساط من تحت معارضيه، بدل أن يشتغل بتنظيم مهرجانات ردت الفعل التي لا تغنيه من جوع ولن تسقيه من ظمأ، إن مصلحة موريتانيا اليوم تقتضي القيام بمبادرة جادة لإنقاذ المواطنين في المناطق الريفية التي تعيش واقعا معيشيا صعبا، سيزداد سوءا مع الأشهر القادمة إذا لم تتخذ إجراءات جادة لمواجهته ، إن التخندق وراء ما هو ثانوي والاشتغال به يعد عملا جبانا يستوجب الاستهجان والإدانة ، إن بيد النظام ما لو استخدمه لكان نجاة له وللوطن، فبدل أن يقوم ببيع كميات لا تكفي لإعالة أسرة في اليوم الواحدة، بعد أن تخصص للحصول عليها  وقتا لأحد أفرادها بمقدار الدوام الرسمي، كان حريا به أن يقوم بتزويد المناطق بما تحتاجه من مواد استهلاكية، وبيعها بكميات تسد حاجات الأسر، وبأسعار مناسبة، وتوزيعها بشكل مجاني على السكان الأقل دخلا، وتوفير الأعلاف بالوتيرة ذاتها في نقاط تواجد المنمين، ولا عيب في طلب الدعم من الأشقاء، والشركاء في التنمية، ويكون ذلك عبر خطة محكمة تمنع بيع المواد المميزة عن مثيلاتها، في المحلات الغير مخصصة لها، وتغريم ومعاقبة كل من يخالف تلك الشروط ، لكن التعامل مع الأزمة بعقلية تاجر غير رشيد تدل على أن النظام يتخبط في تيه ظلام حالك سيقود البلاد لا قدر الله نحو المجهول الذي لا نعرف إلى أين ينتهي بنا.

ليست هناك تعليقات: